وافقت الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) على تمويل برنامج جديد يركز على القدرات العسكرية والمدنية، في خطوة تاريخية تعكس تحولاً استراتيجياً في أولويات الوكالة. يأتي هذا القرار مصحوباً بزيادة قياسية في الميزانية للسنوات الثلاث القادمة، مما يعزز دور أوروبا في مجال الفضاء ويستجيب للتحديات الأمنية المتزايدة. ويشمل ذلك مشروع “المرونة الأوروبية من الفضاء” (ERS)، وهو محور هذا التغيير.

تم الاتفاق في بريمن بألمانيا، بعد مفاوضات مكثفة، على زيادة الميزانية الإجمالية للوكالة إلى 22.1 مليار يورو، بزيادة قدرها 32% مقارنة بالميزانية السابقة. هذا التمويل الإضافي يهدف إلى تعزيز استقلالية أوروبا في الفضاء وتأمين قدراتها في مجالات حيوية مثل المراقبة والاتصالات والملاحة.

مشروع “المرونة الأوروبية من الفضاء” وتداعياته

يهدف مشروع ERS، الذي حصل على تمويل قدره 1.2 مليار يورو مع توقعات بزيادة إضافية تبلغ 250 مليون يورو من وزارات الدفاع الأوروبية، إلى إنشاء نظام فضائي متكامل يجمع الأصول الوطنية. سيقدم هذا النظام قدرات آمنة في مجالات المراقبة والاستطلاع والاتصالات والملاحة، بالإضافة إلى مراقبة الأرض لأغراض تتعلق بتغير المناخ والكوارث الطبيعية. ويعتبر هذا المشروع أول مبادرة عسكرية مباشرة تقوم وكالة الفضاء الأوروبية بتطويرها.

وصرح جوزيف أشباخر، المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، بأن الوكالة تلقت “تفويضاً دفاعياً وأمنياً واضحاً” من الدول الأعضاء، على الرغم من أن هذا التفويض يمثل حالياً حوالي 5% فقط من إجمالي ميزانية الوكالة. ويرى أشباخر أن هذه الخطوة قد تكون بداية لمزيد من التوسع في هذا المجال في المستقبل.

تزايد المخاوف الأمنية

يأتي هذا التحول في ظل تزايد المخاوف بشأن الأنشطة الفضائية لكل من الصين وروسيا. الحرب الروسية الأوكرانية سلطت الضوء بشكل خاص على الأهمية الحاسمة لقدرات الفضاء للأمن القومي، بما في ذلك الاتصالات والملاحة والمراقبة. وتشير التقارير إلى أن الاعتماد المتزايد على الأصول الفضائية المدنية يجعلها عرضة للخطر في أوقات الصراع.

ألمانيا عززت مكانتها كأكبر ممول لوكالة الفضاء الأوروبية، مع تعهد باستثمار 35 مليار يورو في القدرات الفضائية العسكرية بحلول عام 2030. في المقابل، حصلت ألمانيا على تعهد بأن يكون رائد فضاء ألماني أول أوروبي يسافر في بعثات “أرتميس” القمرية التابعة لوكالة ناسا. فرنسا احتفظت بالمركز الثاني، بينما صعدت إسبانيا لتصبح رابع أكبر داعم للوكالة متجاوزةً المملكة المتحدة.

تعزيز القدرات الفضائية الأوروبية

بالإضافة إلى مشروع ERS، وافقت الدول الأعضاء على تمويل “تحدي الإطلاق الأوروبي”، وهو برنامج يهدف إلى تطوير صواريخ صغيرة قابلة لإعادة الاستخدام. يهدف هذا البرنامج إلى تطوير بديل لصاروخ “أريان 6” الأوروبي الثقيل، وتعزيز القدرات الأوروبية في مجال الوصول إلى الفضاء. وقد تلقت هذه المبادرة تمويلاً يفوق المبلغ المطلوب، مما يعكس التزام الدول الأعضاء بتطوير قطاع الفضاء الأوروبي.

كما حظيت جهود أشباخر لتعزيز تطوير شركات الفضاء التجارية التنافسية بدفعة قوية، حيث تم تخصيص حوالي 3.6 مليار يورو لبرامج يمكن تمويلها بالاشتراك مع القطاع الخاص. هذا الدعم يهدف إلى تشجيع الابتكار وخلق فرص عمل جديدة في قطاع الفضاء.

مهمة “روزاليند فرانكلين” لإرسال مركبة فضائية إلى المريخ، أصبحت جاهزة للإطلاق في عام 2028 بعد تأكيد ناسا التزامها بتوفير خدمات الإطلاق والمكونات الأساسية. كما أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية عن بدء دراسات حول مهمة إلى “إنسيلادوس”، قمر زحل الجليدي الذي يعتبر مكاناً واعداً للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض.

الخطوة التالية المتوقعة هي الحصول على التمويل المتبقي لمشروع ERS من وزارات الدفاع الأوروبية في فبراير المقبل. سيراقب المراقبون عن كثب قدرة أوروبا على بناء منظومة أقمار اصطناعية سيادية، والاستجابة السريعة للمراقبة والاستطلاع. كما سيكون من المهم متابعة تطور شركات الفضاء التجارية الأوروبية، وتقييم تأثير هذه الاستثمارات على القدرة التنافسية لأوروبا في مجال الفضاء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version