أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إطلاق خدمة عسكرية طوعية للشباب الفرنسي ابتداءً من الصيف القادم، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة الفرنسية والاستعداد لمواجهة أي تحديات أمنية محتملة. يأتي هذا الإعلان في ظل تزايد المخاوف الأمنية في أوروبا، خاصةً بعد الحرب في أوكرانيا، ويسعى إلى زيادة عدد القوات الاحتياطية الفرنسية.
تم الإعلان عن هذه المبادرة من قاعدة “فارسيس” العسكرية في جبال الألب الفرنسية. وستركز الخدمة بشكل أساسي على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 19 عامًا، وستكون انتقائية، مع توفير تدريب لمدة 10 أشهر وتعويض مالي للمتطوعين. وشدد ماكرون على أن الخدمة ستقتصر على الأراضي الفرنسية، مع استبعاد أي عمليات نشر خارجية في الوقت الحالي.
الخدمة العسكرية الطوعية في فرنسا: تفاصيل وخلفيات
تهدف الحكومة الفرنسية من خلال هذه الخدمة إلى زيادة عدد القوات الاحتياطية من 45 ألف عنصر حاليًا إلى 105 آلاف بحلول عام 2035، وفقًا لتصريحات رسمية. يأتي هذا في سياق سعي فرنسا لتعزيز قدراتها الدفاعية في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في أوروبا والعالم. الجيش الفرنسي يعتبر ثاني أكبر جيش في الاتحاد الأوروبي بعد بولندا، ويضم أكثر من 201 ألف عسكري.
أسباب الإطلاق والتوقيت
يعكس توقيت إطلاق هذه الخدمة مخاوف متزايدة بشأن التهديدات الأمنية المحتملة، خاصةً من روسيا. تشير تقارير استخباراتية إلى أن روسيا قد تكون مستعدة للهجوم على دول حلف الناتو بحلول عام 2028، مما دفع العديد من الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في سياساتها الدفاعية. بالإضافة إلى ذلك، تهدف الخدمة إلى تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية والتعبئة المجتمعية في مواجهة التحديات الأمنية.
أكد ماكرون رفضه العودة إلى التجنيد الإجباري الكامل، معتبرًا أنه غير متناسب مع احتياجات القوات المسلحة والتهديدات الحالية. ومع ذلك، أشار إلى أنه في حالة حدوث أزمة كبيرة، قد يقرر البرلمان استدعاء المتطوعين وأيضًا الأشخاص الذين تم تحديد مهاراتهم خلال يوم الاستدعاء، مما يجعل الخدمة الوطنية إلزامية في هذه الحالة الاستثنائية.
شروط الالتحاق والتسجيل
ستكون الخدمة العسكرية الطوعية متاحة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 19 عامًا، وسيتم اختيار أفضل المرشحين بناءً على معايير محددة. من المتوقع أن يتم تسجيل 3 آلاف متطوع في الصيف القادم، و10 آلاف في عام 2030، ليصل العدد إلى 50 ألفًا بحلول عام 2035. سيتم توفير الزي العسكري والمعدات العسكرية والتعويض المالي للمتطوعين، على الرغم من أن قيمة هذا التعويض لم يتم تحديدها بعد.
يستلهم البرنامج من نماذج مماثلة في دول الشمال الأوروبي، مثل النرويج، بهدف توفير تدريب عالي الجودة للمتطوعين وتأهيلهم للمساهمة في تعزيز قدرات القوات المسلحة. وسيشرف وزارة الجيوش الفرنسية على برنامج التدريب الذي يستمر 10 أشهر، والذي سيبدأ التقديم له في يناير القادم.
بالتوازي مع إطلاق الخدمة الطوعية، ألغت الحكومة الفرنسية الوحدة المسؤولة عن ما يٌعرف بـ”الخدمة الوطنية الشاملة”، في إطار التحضير لإطلاق الخدمة العسكرية الطوعية الجديدة. هذه الخطوة تعكس تركيز الحكومة على تطوير برنامج أكثر فعالية وتركيزًا على الاحتياجات الفعلية للقوات المسلحة.
تأثيرات محتملة وتحديات مستقبلية
من المتوقع أن يكون لهذه الخدمة تأثير إيجابي على تعزيز قدرات القوات المسلحة الفرنسية وزيادة عدد القوات الاحتياطية. كما أنها قد تساهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية والتعبئة المجتمعية في مواجهة التحديات الأمنية. ومع ذلك، قد تواجه الحكومة بعض التحديات في جذب عدد كاف من المتطوعين المؤهلين، وضمان توفير تدريب عالي الجودة، وتوفير التمويل اللازم للبرنامج.
الخطوة التالية المتوقعة هي فتح باب التسجيل في يناير القادم، وستراقب الحكومة عن كثب عدد المتقدمين ومؤهلاتهم. كما ستقوم بتقييم فعالية البرنامج بشكل دوري، وإجراء التعديلات اللازمة لضمان تحقيق أهدافه. من المهم أيضًا مراقبة التطورات الجيوسياسية في أوروبا والعالم، وتقييم تأثيرها على الاحتياجات الدفاعية لفرنسا.
تعتبر هذه المبادرة جزءًا من جهود أوسع لتعزيز الأمن والدفاع في أوروبا، في ظل تزايد التحديات والتهديدات التي تواجه القارة. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن العديد من الدول الأوروبية قد تتخذ خطوات مماثلة لتعزيز قدراتها الدفاعية وزيادة استعدادها لمواجهة أي طارئ. الاستعداد الأمني والخدمة العسكرية يمثلان أولوية متزايدة في المشهد الأوروبي الحالي.

