عندما أمرت القوى الاستعمارية البلجيكية والبرتغالية ببناء خط للسكك الحديدية يربط المناطق الغنية بالموارد في قلب أفريقيا بالمحيط الأطلسي، كان الهدف الأساسي هو استغلال الثروات الطبيعية وتصديرها إلى أوروبا. اليوم، يشهد هذا الخط نفسه، الذي يمر عبر زامبيا والكونغو الديمقراطية وأنجولا وصولاً إلى ميناء لوبيتو، تحديثاً واسع النطاق بتمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتسهيل نقل المعادن الحيوية مثل الكوبالت والنحاس، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل ممر لوبيتو وأهداف الشراكات الجديدة.
في أوائل نوفمبر الجاري، وقع جوزيف سيكيلا، مفوض الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية، حزمة استثمارية بقيمة 116 مليون يورو لدعم هذا الممر، واعتبرت مبادرة رائدة ضمن برنامج “البوابة العالمية” للاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية في الدول النامية. تأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه بروكسل إلى إعادة تعريف علاقاتها مع أفريقيا، وهو ما ستؤكده رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في قمة لواندا بأنجولا هذا الأسبوع، احتفالاً بالذكرى الخمسين لاستقلال البلاد.
برنامج “البوابة العالمية” وأهداف الاتحاد الأوروبي
أكدت فون دير لاين في أكتوبر الماضي أن برنامج “البوابة العالمية” يهدف إلى تحقيق مصالح متبادلة، مع التركيز على سلاسل القيمة الرئيسية، بما في ذلك المعادن الضرورية لصناعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والدفاع. وتسعى المفوضية الأوروبية إلى بناء سلاسل قيمة مرنة توفر البنية التحتية والوظائف والمهارات المحلية، وتعزز الصناعات المحلية في الدول الشريكة.
ومع ذلك، تواجه بروكسل منافسة قوية من الصين، التي رسخت بالفعل مكانتها كمورد رئيسي للمعادن في أفريقيا، وحصلت على وصول واسع النطاق إلى موارد القارة دون قيود تاريخية. تُعد الصين حالياً المعالج المهيمن للمعادن على مستوى العالم، مما يضع ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي لتسريع جهوده لتنويع سلاسل التوريد.
التحديات والشكوك حول ممر لوبيتو
يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً متزايدة لتنويع مصادر الليثيوم والمعادن النادرة وغيرها من المواد الخام، وتقليل اعتماده على الصين. وفي هذا السياق، تعمل بروكسل على وضع خطة جديدة، من المقرر الإعلان عنها في 3 ديسمبر، لتسريع جهود تنويع الموارد. لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بناء الثقة مع القادة الأفارقة وتقديم بديل جذاب عن الاستثمارات الصينية.
ترى مارتينا ماتارازو، منسقة في منظمة “ريسورس ماترز” غير الحكومية، أن الاتحاد الأوروبي أظهر التزاماً علنياً بأن يكون “شريكاً أخلاقياً” منذ بداية دبلوماسية المعادن الخام قبل عامين. لكنها تشير إلى وجود “فجوة كبيرة” بين الأقوال والأفعال، وتتساءل عما إذا كان ممر لوبيتو سيحقق بالفعل فوائد متبادلة، أم أنه سيقتصر على تسهيل شحن المعادن إلى الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، يثير المشروع مخاوف بشأن الأثر البيئي والاجتماعي المحتمل، بما في ذلك تدمير الغابات، ونزوح المجتمعات المحلية، وعدم استفادة السكان المحليين من المشروع. وتشير تقارير إلى أن العائد الاقتصادي من ممر لوبيتو كان بطيئاً حتى الآن، مما يزيد من الشكوك حول فعالية المشروع.
المنافسة الصينية وتأثيرها
تعتبر الصين لاعباً رئيسياً في قطاع التعدين في أفريقيا، حيث تقدم استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية والتعدين والمعالجة. تستخدم بكين مبادرة “الحزام والطريق” لتأمين حقوق التعدين مقابل مشاريع البنية التحتية، مما يمنحها نفوذاً كبيراً في القارة. في المقابل، تتخلف الولايات المتحدة عن الصين في هذا المجال، لكنها تكثف جهودها لتأمين إمدادات المعادن الحيوية من خلال اتفاقيات جديدة واستثمارات متزايدة.
الخطوات التالية والمستقبل
يتطلب نجاح الاتحاد الأوروبي في أفريقيا ترجمة الوعود إلى أفعال ملموسة، والتعاون الوثيق مع القادة الأفارقة، وتقديم بديل حقيقي للاستثمارات الصينية. يجب على الاتحاد الأوروبي التركيز على خلق قيمة مضافة محلية، وتعزيز التنمية المستدامة، واحترام حقوق الإنسان والبيئة.
في قمة لواندا، من المتوقع أن يناقش قادة الاتحاد الأوروبي والقادة الأفارقة سبل تعزيز الشراكة في مجال المعادن، وتحديد أولويات التنمية المستدامة، ومعالجة المخاوف بشأن الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع التعدينية. سيراقب المراقبون عن كثب ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيقدم التزامات ملموسة لزيادة الاستثمار في البنية التحتية المحلية، وتعزيز الصناعات المحلية، وضمان استفادة المجتمعات المحلية من استغلال الموارد الطبيعية. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتمكن من تغيير قواعد اللعبة في أفريقيا، أم أنه سيظل يواجه منافسة قوية من الصين.

