تُظهر الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً بـنفط فنزويلا، خاصةً مع استمرار بعض التحديات في إمدادات الطاقة العالمية. على الرغم من أن واشنطن أصبحت منتجاً رئيسياً للنفط، إلا أنها تواجه حاجة خاصة للخامات الثقيلة التي كانت فنزويلا توفرها تاريخياً، مما أدى إلى نقاشات حول تخفيف القيود المفروضة على النفط الفنزويلي في مقابل شروط صارمة.
هذا الاهتمام يأتي في وقت يهدف فيه البيت الأبيض إلى تحقيق التوازن بين العقوبات المفروضة على فنزويلا والحاجة إلى تأمين إمدادات نفطية متنوعة، خاصةً وأن بعض المصافي الأمريكية تعتمد بشكل كبير على الخام الثقيل. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول أولويات السياسة الأمريكية في منطقة أمريكا اللاتينية وتأثيرها على أسواق الطاقة العالمية.
أهمية النفط الفنزويلي الثقيل للمصافي الأمريكية
السبب الرئيسي وراء اهتمام الولايات المتحدة بـنفط فنزويلا يكمن في نوعيته. فمعظم النفط الفنزويلي هو خام ثقيل وعالي الكبريت، وهو يختلف بشكل كبير عن النفط الخفيف والمنخفض الكبريت الذي تنتجه العديد من الحقول الأمريكية، بما في ذلك حقول النفط الصخري.
هذا الفارق النوعي مهم جداً للمصافي الأمريكية، لأنه يؤثر على عملية التكرير وجودة المنتجات النهائية. فالخام الثقيل ينتج عادةً كميات أكبر من وقود الديزل ووقود السفن والمواد المستخدمة في صناعة الأسفلت، بينما النفط الخفيف يميل إلى إنتاج البنزين والمشتقات الأخف.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب معالجة الخام الثقيل معدات متخصصة ومكلفة داخل المصافي، مثل وحدات التكسير الحراري (cokers) ومنشآت إزالة الكبريت. هذه الوحدات ليست موجودة في جميع المصافي، والمصافي التي تعتمد عليها تجد صعوبة في التحول بسرعة إلى معالجة أنواع أخرى من النفط.
ساحل الخليج الأمريكي: معقل الاعتماد على الخام الثقيل
تتركز المصافي الأمريكية الأكثر تعقيداً، والتي تعتمد بشكل كبير على الخام الثقيل، على ساحل الخليج، وخاصة في ولايات تكساس ولويزيانا. هذه المصافي بُنيت تاريخياً للاستفادة من الخام الثقيل المستورد من فنزويلا والمكسيك، والذي كان متاحاً بأسعار تنافسية.
لكن هذا النظام شهد اضطرابات كبيرة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، فرضت إدارة ترامب عقوبات واسعة على قطاع النفط الفنزويلي، مما أدى إلى انخفاض حاد في صادرات النفط. لاحقاً، أُلغيت بعض التراخيص التي سمحت بتدفقات محدودة من النفط الفنزويلي، مما زاد الضغط على المصافي الأمريكية.
أدت هذه التطورات إلى اضطرار المصافي الأمريكية للبحث عن مصادر بديلة للخام الثقيل، مثل كندا وكولومبيا والبرازيل، وحتى بعض الدول في الشرق الأوسط. لكن هذه البدائل لم تكن دائماً متاحة أو مناسبة من حيث الجودة والسعر.
البدائل المتاحة وتحدياتها
كندا، بفضل إنتاجها من الرمال النفطية، أصبحت أكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة. لكن الخام الكندي الثقيل لا يزال يواجه تحديات لوجستية، ويتزايد الطلب عليه في أوقات نقص الإمدادات.
وزادت صادرات بعض الخامات الثقيلة من أمريكا اللاتينية، مثل كولومبيا والبرازيل، إلى الولايات المتحدة لتعويض جزء من الفجوة. ومع ذلك، فإن هذه الصادرات لا تكفي دائماً لتلبية الطلب المتزايد.
وفي بعض الحالات، تلجأ المصافي الأمريكية إلى استيراد خامات أثقل وحامضة من الشرق الأوسط، مثل العراق والكويت والسعودية. لكن هذا الخيار ينطوي على تكاليف شحن أعلى.
لماذا لا يغطي الإنتاج الأمريكي الحاجة؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة هي من بين أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن معظم إنتاجها يتركز في النفط الخفيف. هذا يعني أن المصافي التي تحتاج إلى الخام الثقيل لا يمكنها الاعتماد بشكل كامل على الإنتاج المحلي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سوق الوقود الأمريكي متنوع، ولا يقتصر على البنزين. هناك طلب كبير على الديزل ووقود الطائرات والمواد المستخدمة في الصناعات الأخرى. الخام الثقيل غالباً ما يكون خياراً اقتصادياً وتقنياً أفضل لإنتاج بعض هذه المشتقات.
المستقبل: المفاوضات المشروطة وعودة محتملة للنفط الفنزويلي
تشير التقارير إلى أن إدارة بايدن تبحث إمكانية تخفيف بعض العقوبات المفروضة على فنزويلا، بما في ذلك تلك المتعلقة بقطاع النفط، وذلك في مقابل تقدم ملموس نحو إصلاحات ديمقراطية. تتضمن هذه الشروط السماح بانتخابات حرة ونزيهة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتفاوض مع المعارضة.
ومع ذلك، لا يزال الطريق نحو عودة النفط الفنزويلي إلى السوق الأمريكية مليئاً بالتحديات. فالمفاوضات مع حكومة مادورو قد تكون صعبة، وهناك معارضة قوية داخل الكونجرس لأي تخفيف للعقوبات. سيكون من المهم متابعة التطورات السياسية والاقتصادية في فنزويلا، وتقييم مدى استعداد واشنطن لتقديم تنازلات لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة.

