أثارت خطة مقترحة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا جدلاً واسعاً، حيث تدعو المسودة التي تتضمن 28 بنداً كييف إلى التخلي عن أراضٍ لصالح روسيا، وتقييد حجم قواتها المسلحة، والتنازل عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف الناتو. وتأتي هذه الخطة في وقت يستعد فيه مسؤولون أميركيون وأوكرانيون وأوروبيون لعقد محادثات في جنيف لمناقشة تفاصيلها، مع تأكيد الإدارة الأميركية على أن هذه المسودة ليست نهائية، وتسعى للحصول على موافقة أوكرانيا بحلول الخميس المقبل. وتعتبر خطة السلام هذه تطوراً هاماً في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة المستمرة.
وصل وزير الجيش الأميركي دانيال دريسكول إلى جنيف استعداداً للمحادثات، ومن المتوقع وصول الوفد الأوكراني، بقيادة مسؤولين كبار، في وقت لاحق من مساء السبت. ويشارك في المفاوضات أيضاً المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، بالإضافة إلى مستشارين أمنيين قوميين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ممثلين في ما يعرف بـ”تحالف E3″، وممثل عن الاتحاد الأوروبي وإيطاليا.
تفاصيل خطة السلام الأميركية المقترحة
تتضمن الخطة المقترحة مجموعة من البنود التي تهدف إلى تحقيق تسوية بين روسيا وأوكرانيا، لكنها تتطلب تنازلات كبيرة من الجانب الأوكراني. من أبرز هذه البنود، تنازل أوكرانيا عن مناطق واسعة سيطرت عليها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومناطق لوجانسك ودونيتسك. كما تقترح الخطة تحديد سقفاً لقواتها المسلحة، وإجراء انتخابات شاملة خلال 100 يوم، والتخلي عن أي مساعي مستقبلية للانضمام إلى حلف الناتو.
بالإضافة إلى ذلك، تنص الخطة على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على موسكو. وأكد الرئيس ترمب، السبت، أن إدارته تعمل بجد على إيجاد حل سلمي للحرب، مشدداً على أن هذه الخطة ليست العرض النهائي، وأن الهدف هو الوصول إلى اتفاق “مفيد” للطرفين. وقال مسؤول أميركي إن المفاوضات تتركز على صياغة اتفاق مقبول من شأنه إنهاء الصراع.
ردود الفعل الأوروبية ومطالب التعديل
أعرب قادة أوروبيون وغربيون عن قلقهم بشأن بعض جوانب الخطة الأميركية، وشددوا على الحاجة إلى “عمل إضافي” لجعلها أساساً قابلاً للتطبيق لمحادثات السلام. وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا اجتماعاً على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج لمناقشة هذه القضية.
وأكد القادة الأوروبيون في بيان مشترك على أن أي تسوية يجب أن تحترم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وأنها لن تقبل بأي تغيير في الحدود بالقوة. كما أبدوا قلقهم من القيود المقترحة على القوات الأوكرانية، وأشاروا إلى أن أي ترتيبات تتعلق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تتطلب موافقة هذه الأطراف بشكل كامل. يأتي هذا الموقف الأوروبي تعزيزاً لسياسة الدعم المستمر لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
وفي سياق منفصل، أكد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أطلع على خطة السلام الأميركية. وأضاف أن أي اتفاق يجب أن يتم بالتشاور مع أوكرانيا واحترام مصالحها الوطنية.
مخاوف أميركية وانتقادات داخلية
أعرب بعض أعضاء الكونجرس الأميركي عن قلقهم البالغ بشأن تفاصيل خطة السلام، مؤكدين أن روسيا احتلت أراض أوكرانية بشكل غير قانوني، وأن أوكرانيا تبذل جهوداً بطولية للدفاع عن نفسها. وأكدوا أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من خلال تقديم تنازلات مستمرة للكرملين. واعتبر السيناتور الجمهوري مايك راوندز، أن بعض بنود الخطة تتناقض مع الموقف الأميركي المعلن.
وتزايد الجدل حول الجهة التي صاغت هذه الخطة، حيث أفادت تقارير بأن المبعوث الخاص ستيف ويتكوف قد عقد سلسلة من الاجتماعات مع كيريل ديمترييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون إطلاع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بشكل كامل. ويثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى استقلالية ويتكوف وعلاقته بالجهة الروسية.
وفي الوقت نفسه، أشار مسؤولون أميركيون إلى أن إدارة ترمب تأمل في أن تساعد هذه الخطة على فتح قناة اتصال جديدة مع روسيا، وإيجاد حل دبلوماسي للأزمة. لكنهم أكدوا أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعمها لأوكرانيا في أي حال من الأحوال.
من المتوقع أن تتصدر خطة السلام هذه المحادثات في جنيف، وأن يشهد الأيام القليلة القادمة تطورات هامة في هذا الملف. ويعتبر موقف أوكرانيا هو الفيصل في نجاح أو فشل هذه المساعي الدبلوماسية، حيث يصر الرئيس زيلينسكي على رفض أي تنازل عن الأراضي الأوكرانية المحتلة. يبقى التحدي الأكبر هو إقناع جميع الأطراف المعنية بالتوصل إلى حل يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. من شأن أي تطور سلبي أن يدفع بالمنطقة نحو المزيد من التصعيد وعدم اليقين.

