تشهد مراكز تعدين البيتكوين في الولايات المتحدة تحولاً ملحوظاً نحو استيعاب مهام الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، وذلك في ظل تراجع ربحية التعدين وارتفاع الطلب على مراكز بيانات متطورة. هذا التحول يركز بشكل خاص على استخدام البنية التحتية الحالية، التي تم تطويرها في الأصل لتعدين البيتكوين، لتلبية احتياجات الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي المتزايدة. الطلب على الذكاء الاصطناعي يتزايد بسرعة، مما يدفع شركات التعدين لإعادة تقييم استراتيجياتها.

في يونيو 2024، لوحظ في ولاية تكساس قيام شركة “Riot Platforms” بتحويل جزء كبير من منشأتها الصناعية الضخمة، والتي كانت مخصصة لتعدين البيتكوين، لاستيعاب تطبيقات الذكاء الاصطناعي. هذا التحول ليس حالة معزولة، بل هو جزء من اتجاه أوسع يتبعه العديد من الشركات الأخرى في قطاع تعدين العملات الرقمية. أكثر من ثماني شركات تعدين عامة أعلنت عن خطط مماثلة في الأشهر الثمانية عشر الماضية.

التحول من تعدين البيتكوين إلى الذكاء الاصطناعي: استجابة للظروف المتغيرة

يعزى هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع أسعار البيتكوين وزيادة صعوبة التعدين. في عام 2024، انخفض مكافأة تعدين البيتكوين إلى النصف، مما أثر بشكل كبير على ربحية العمليات. بالإضافة إلى ذلك، شهدت سوق العملات الرقمية تقلبات كبيرة أدت إلى انخفاض قيمة البيتكوين بنحو 30% عن ذروته في عام 2025، وفقاً لمحللين في هذا المجال.

مع زيادة المنافسة في شبكة البيتكوين، أصبح استخراج عملة بيتكوين الواحدة يتطلب قدرة حاسوبية أكبر بكثير. هذا يعني أن الشركات تحتاج إلى استثمار المزيد من المال في الأجهزة المتخصصة واستهلاك كميات هائلة من الطاقة. ولكن، مع انخفاض العائدات، أصبحت هذه العمليات أقل جدوى.

تأثير الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي

في المقابل، يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي طفرة كبيرة في الطلب على مراكز البيانات القادرة على التعامل مع المهام الحسابية المكثفة اللازمة لتدريب النماذج. تحتاج الشركات إلى قدرات حوسبة هائلة لتطوير ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهذا يخلق فرصة جديدة لشركات تعدين البيتكوين.

كما أشارت Meltem Demirors، الشريكة في شركة الاستثمار “Crucible Capital”، فإن شركات تعدين البيتكوين قد خلقت بالفعل “النموذج الأولي لإنفجار الحوسبة في مجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات الحديثة”. الآن، يجدون أن الحصول على تمويل لمهام الذكاء الاصطناعي أسهل وأقل تكلفة من تمويل تعدين البيتكوين.

يعملون على استغلال البنية التحتية الحالية المتعلقة بالطاقة، والتخلص من أجهزة التعدين، وإتاحة المساحات للشركات التي تحتاج إلى وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) المتطورة. هذه الوحدات هي أساس تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

هذا التحول لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل يتعلق أيضاً بالاستجابة للتطورات التكنولوجية. الذكاء الاصطناعي أصبح صناعة مزدهرة، وشركات التعدين تسعى للاستفادة من هذه الفرصة من خلال إعادة توجيه مواردها وخبراتها. البيانات الضخمة (Big Data) هي أيضًا كلمة جانبية مرتبطة بهذا المجال.

وفقاً لتشارلز تشونغ، نائب الرئيس للاستراتيجية في شركة “BlockSpaceForce” الاستشارية، فإن “الاقتصاد الحالي يجعل عملية تعدين البيتكوين غير مربحة”. يشير إلى أنه إذا قام بشراء جهاز تعدين بيتكوين اليوم، فإنه غير متأكد من قدرته على استعادة الأموال.

في حين أن هذا التحول قد يبدو مفاجئًا للبعض، إلا أنه يمثل خطوة منطقية للشركات التي تسعى للبقاء في صدارة المشهد التكنولوجي. فمن خلال استهداف سوق الذكاء الاصطناعي، يمكن لشركات تعدين البيتكوين تنويع مصادر دخلها وتقليل اعتمادها على تقلبات أسعار العملات الرقمية.

من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في الأشهر والسنوات القادمة، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض ال uncertainty بشأن مدى نجاح هذا التحول وكيف ستتكيف شركات التعدين مع المتطلبات الجديدة لسوق الذكاء الاصطناعي. من الضروري متابعة تطورات أسعار البيتكوين وتطورات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتوقع المسار المستقبلي لهذه الصناعة.

خلال الأشهر القليلة القادمة، ستكون الشركات العاملة في هذا المجال تحت المجهر لمراقبة قدرتها على تنفيذ هذه التحولات بنجاح، والنتائج المالية المترتبة على هذه الخطوة. يجب أيضًا مراقبة السياسات الحكومية المتعلقة بالعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن يكون لها تأثير كبير على مستقبل هذه الصناعات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version