أظهرت دراسة حديثة أن مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي يمتلكون قدرة متزايدة على تشكيل الرأي العام والتأثير في المواقف السياسية، حتى أكثر من وسائل الإعلام التقليدية. وقد كشفت الأبحاث، التي أجريت بالتعاون بين جامعتي كولومبيا وهارفارد، أن التعرض لمحتوى تقدمي من قبل هؤلاء المؤثرين يمكن أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة في وجهات نظر الجمهور، خاصةً فيما يتعلق بالقضايا السياسية.

أجريت الدراسة على عينة مكونة من 4,716 أمريكيًا تتراوح أعمارهم بين 18 و 45 عامًا، حيث تم تقسيم المشاركين عشوائيًا إلى مجموعتين: مجموعة تلقت توصيات بمتابعة حسابات لمؤثرين تقدميين، ومجموعة أخرى لم تتلق أي توصيات وتركت لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي. وقد استمرت الدراسة لمدة خمسة أشهر، من أغسطس إلى ديسمبر 2024.

تأثير مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام

أظهرت النتائج أن المجموعة التي تعرضت لمحتوى تقدمي شهدت زيادة في المعرفة السياسية العامة، بالإضافة إلى تحول في مواقفها السياسية نحو اليسار. في المقابل، أظهرت المجموعة التي تصفحت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي تحولًا ملحوظًا نحو اليمين، وهو ما يعزى إلى الطبيعة العامة للمحتوى السائد على هذه المنصات.

الدور المتزايد للمحتوى غير السياسي

تشير الدراسة إلى أن المؤثرين الذين لا يركزون بشكل أساسي على المحتوى السياسي قد يكونون الأكثر تأثيرًا على الإطلاق. وقد قام الباحثون بتقسيم المشاركين أيضًا إلى مجموعات فرعية، حيث تلقت بعضها توصيات بمتابعة مؤثرين ينشرون محتوى سياسيًا بشكل أساسي، بينما تلقت مجموعات أخرى توصيات بمتابعة مؤثرين يركزون على مواضيع غير سياسية.

وتبين أن المؤثرين الذين يقدمون محتوى غير سياسي كانوا قادرين على إحداث تغييرات في المواقف السياسية بشكل أكثر فعالية من أولئك الذين ينشرون محتوى سياسيًا صريحًا. يعتقد الباحثون أن ذلك يرجع إلى أن الجمهور قد يكون أكثر تقبلاً للرسائل السياسية عندما يتم تقديمها من خلال مصادر تعتبر محايدة وغير متحيزة.

وقد استلهمت هذه الدراسة من ملاحظات حول الحملات الانتخابية السابقة، مثل حملة دونالد ترامب، حيث استخدم فريقه بشكل استراتيجي مجموعة متنوعة من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك أولئك الذين لا يتناولون عادةً القضايا السياسية. على سبيل المثال، ظهر كاش باتيل، الشخصية البارزة في إدارة ترامب، على برنامج Deplorable Discussions، وهو برنامج بث مباشر على منصة Pilled، حيث تحدث عن نظرية “الدولة العميقة”.

يقول صموئيل ووللي، أستاذ مساعد في جامعة بيتسبرغ المتخصص في الدعاية الرقمية، إن هذه الأبحاث تؤكد ما كان الكثيرون يفترضونه، وهو أن المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يمثلون قوة سياسية كبيرة، وأن دورهم سيزداد أهمية في الانتخابات القادمة، بما في ذلك انتخابات منتصف المدة لعام 2026 والانتخابات الرئاسية لعام 2028.

التحولات في المشهد الإعلامي

تأتي هذه النتائج في وقت يشهد فيه المشهد الإعلامي تحولات كبيرة، حيث تتزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار والمعلومات. وقد أدى ذلك إلى تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف والتلفزيون، في تشكيل الرأي العام.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخوارزميات المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تحديد المحتوى الذي يراه المستخدمون. وقد أدت هذه الخوارزميات إلى ظهور ما يسمى بـ “فقاعات الترشيح”، حيث يتعرض المستخدمون بشكل أساسي للمعلومات التي تؤكد معتقداتهم الحالية.

التسويق السياسي والتأثير الرقمي هما مصطلحان مرتبطان بشكل وثيق بهذه التطورات، حيث يسعى السياسيون والحملات الانتخابية إلى استغلال قوة وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الناخبين والتأثير فيهم.

في المقابل، يثير هذا التحول تساؤلات حول مصداقية المعلومات المتاحة على الإنترنت، وحاجة الجمهور إلى تطوير مهارات التفكير النقدي لتقييم المصادر المختلفة.

من المتوقع أن يستمر الباحثون في دراسة تأثير مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام، مع التركيز على فهم الآليات التي يتم من خلالها إحداث التغيير في المواقف السياسية. كما سيتم إجراء المزيد من الأبحاث حول دور الخوارزميات في تشكيل المشهد الإعلامي، وتأثيرها على الديمقراطية. من المرجح أن يتم نشر نتائج إضافية حول هذا الموضوع بحلول نهاية عام 2025، مما قد يوفر رؤى أعمق حول هذه الظاهرة المتنامية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version