وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس أمرًا تنفيذيًا طال انتظاره يهدف إلى وضع إطار تنظيمي وطني للذكاء الاصطناعي، مع تقويض قدرة الولايات الفردية على سن قوانينها الخاصة. يمثل هذا الأمر تدخلًا فدراليًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين المؤيدين والمعارضين على حد سواء. ومن المتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على مستقبل تطوير واستخدام هذه التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

يُنشئ الأمر التنفيذي قوة عمل قانونية داخل وزارة العدل لمواجهة قوانين الذكاء الاصطناعي التي تعتبرها الإدارة الفيدرالية متعارضة مع السياسة الوطنية. كما يوجه وزارة التجارة إلى صياغة إرشادات قد تجعل الولايات غير مؤهلة للحصول على تمويل اتحادي للبنية التحتية للاتصالات واسعة النطاق إذا أقرت قوانين “مرهقة” بشأن الذكاء الاصطناعي. يأتي هذا الإجراء في وقت تشهد فيه العديد من الولايات مبادرات تشريعية لتنظيم الذكاء الاصطناعي.

الإطار التنظيمي الوطني للذكاء الاصطناعي: دوافع وتفاصيل

يعكس هذا التحرك الفيدرالي ضغوطًا كبيرة من قبل المستثمرين في مجال الذكاء الاصطناعي، ومراكز السياسات المحافظة، ومجموعات الصناعة التكنولوجية. يجادلون بأن النهج المتجزئ للتنظيم قد يعيق الابتكار في وادي السيليكون ويقلل من القدرة التنافسية الأمريكية على الساحة العالمية. وقد دعا مستشار الرئيس ترامب لشؤون الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، ديفيد ساكس، بشكل خاص إلى اتباع نهج “مرن” في تنظيم الذكاء الاصطناعي.

صرح ساكس خلال حفل التوقيع أن الأمر التنفيذي يمنح الإدارة أدوات للرد على اللوائح “المرهقة والمفرطة” على مستوى الولايات. وأضاف أنه لن يتم التراجع عن جميع اللوائح، مشيرًا إلى أن حماية سلامة الأطفال ستظل أولوية. هذا التمييز يوضح أن الإدارة تسعى إلى تحقيق توازن بين تعزيز الابتكار وضمان السلامة العامة.

أوجه التشابه والاختلاف مع المسودات السابقة

يشبه الأمر التنفيذي إلى حد كبير مسودة سابقة تم الحصول عليها، ولكن مع بعض الاختلافات الرئيسية. يُطلب من ساكس ومساعد الرئيس لشؤون العلوم والتكنولوجيا، مايكل كراتسيوس، إعداد توصية تشريعية لإنشاء إطار سياسي فيدرالي للذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن التوصية استثناءً يسمح للولايات بسن قوانين تهدف إلى حماية الأطفال، وتعزيز البنية التحتية لمراكز البيانات، وتشجيع الحكومات الولائية على شراء أدوات الذكاء الاصطناعي.

أكد الرئيس ترامب على أهمية وجود “مصدر مركزي واحد” للموافقة على تطوير الذكاء الاصطناعي، معربًا عن ثقته في الحصول على دعم من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وأشار إلى أن الحصول على موافقة 50 ولاية لكل تغيير قد يكون أمرًا معقدًا وغير عملي. هذا التوجه نحو المركزية يهدف إلى تبسيط عملية التنظيم وتسريع وتيرة الابتكار.

ردود فعل الولايات والقوانين المعرضة للخطر

في غياب اللوائح الفيدرالية، اتخذت العديد من الولايات مبادراتها الخاصة للتحقيق في سن تشريعات تحكم استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي. يذكر الأمر التنفيذي للرئيس ترامب بشكل خاص قانون كولورادو SB24-205، الذي يهدف إلى الحد من “التمييز الخوارزمي” في نماذج الذكاء الاصطناعي، باعتباره محاولة لـ “تضمين تحيز أيديولوجي”.

قد تقع قوانين أخرى في الولايات على قائمة القوانين المستهدفة. على سبيل المثال، وقّع حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم في سبتمبر قانونًا يلزم شركات التكنولوجيا الكبرى بنشر أطر السلامة المتعلقة بنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وفي يونيو، أقرّت الهيئة التشريعية لولاية نيويورك مشروع قانون يمنح المدعي العام للولاية سلطة فرض عقوبات مدنية تصل إلى 30 مليون دولار على مطوري الذكاء الاصطناعي الذين يفشلون في تلبية معايير السلامة. ومع ذلك، لا يزال هذا القانون ينتظر توقيع حاكمة نيويورك كاثي هوشول أو رفضه، مع وجود تقارير تشير إلى أنها تفكر في تعديلات قد تضعف من فعاليته.

تأثير الأمر التنفيذي على الابتكار والخصوصية

يثير هذا الأمر التنفيذي تساؤلات حول التوازن بين تعزيز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق المستهلك والخصوصية. يرى البعض أن التدخل الفيدرالي ضروري لتجنب إنشاء بيئة تنظيمية معقدة ومكلفة قد تثبط الاستثمار والابتكار. بينما يخشى آخرون من أن هذا الأمر قد يضعف الحماية المتاحة للأفراد والمجتمعات من المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل التمييز وانتهاكات الخصوصية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الأمر إلى صراع قانوني بين الحكومة الفيدرالية والولايات التي تصر على تطبيق قوانينها الخاصة. من المرجح أن تشارك قوة العمل القانونية الجديدة في وزارة العدل في معارك قضائية لتحديد مدى سلطة الحكومة الفيدرالية في هذا المجال. هذا الصراع القانوني قد يستغرق وقتًا طويلاً ويؤدي إلى حالة من عدم اليقين بالنسبة لشركات الذكاء الاصطناعي والمستثمرين.

من المتوقع أن تقوم وزارة التجارة بصياغة الإرشادات الخاصة بتمويل البنية التحتية للاتصالات واسعة النطاق في الأشهر المقبلة. وسيكون من المهم مراقبة هذه الإرشادات لمعرفة مدى صرامتها وكيف ستؤثر على قدرة الولايات على الحصول على التمويل الفيدرالي. كما يجب متابعة التوصية التشريعية التي سيقدمها ساكس وكراتسيوس إلى الكونجرس، حيث ستحدد هذه التوصية الشكل النهائي للإطار التنظيمي الوطني للذكاء الاصطناعي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version