تشهد بلغاريا احتجاجات واسعة النطاق، وتنتشر على الإنترنت ادعاءات مضللة تحاول تصوير هذه الأحداث على أنها رد فعل ضد الاتحاد الأوروبي. هذه الادعاءات تبسط أسباب الاحتجاجات وتشوّهها لتناسب روايات معادية للاتحاد الأوروبي، متجاهلةً العوامل المحلية التي أدت إلى تصاعد الغضب الشعبي. ويهدف هذا المقال إلى توضيح حقيقة ما يجري في بلغاريا، و تفنيد هذه المعلومات المغلوطة، مع التركيز على دور الفساد في الاحتجاجات الأخيرة.
الاحتجاجات في بلغاريا: ما وراء الادعاءات المضللة
شهدت بلغاريا، منذ نهاية شهر نوفمبر، مظاهرات حاشدة تقودها بشكل رئيسي فئة الشباب. وتأتي هذه المظاهرات في سياق أزمة سياسية متواصلة، حيث شهدت البلاد سقوط تسعة حكومات خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي المستمر. حدثت استقالة رئيس الوزراء روزن جيليازكوف في الأسبوع الماضي، لكن هذه الاستقالة ليست بالضرورة نابعة من احتجاجات معادية للاتحاد الأوروبي.
الشرارة المباشرة للاحتجاجات كانت مقترح ميزانية يهدف إلى زيادة الضرائب والمساهمات في الضمان الاجتماعي لتمويل زيادة الإنفاق الحكومي. وعلى الرغم من سحب هذا المقترح، استمرت حدة الغضب الشعبي وتصاعدت الدعوات إلى التظاهر.
الأسباب الجذرية للاحتجاجات
يكمن السبب الأعمق وراء هذه الاحتجاجات في الغضب المتزايد تجاه ما يُنظر إليه على أنه فساد مستشرٍ بين النخب السياسية في بلغاريا، وتأثير ذلك على حياة المواطنين العاديين. يثير هذا الوضع قلق الشباب بشكل خاص، الذين يطالبون بتحسين الرعاية الصحية وزيادة فرص العمل.
تركزت الكثير من انتقادات المتظاهرين على شخصية بويكو بوريسوف، رئيس الوزراء السابق الذي شغل منصبه ثلاث مرات بين عامي 2009 و 2021، وزعيم حزب “جيرب” الحاكم. كما توجهت الانتقادات نحو ديلان بييفسكي، الذي يقف على رأس حزب “DPS-Novo Nachalo” الذي قدم الدعم البرلماني للتحالف الحكومي السابق. وذكرت وكالة الأنباء البلغارية الوطنية (BTA) أن أحد الشعارات الرئيسية التي رددها المتظاهرون ليلة استقالة جيليازكوف كان “الاستقالة! بييفسكي وبوريسوف ارحلوا!”.
وشعارات أخرى رددها المتظاهرون، وكانوا في الغالب من الشباب، مثل “أغضبتم الجيل الخطأ” و”جيل ينمو في بلغاريا لا يريد المغادرة وسنبذل قصارى جهدنا لذلك”.
الرأي العام والانتخابات الأوروبية
تشير استطلاعات الرأي إلى انقسام في الرأي العام البلغاري بشأن الانضمام إلى منطقة اليورو. فقد أظهر استطلاع للرأي، نشرته وزارة المالية البلغارية في يونيو، أن 48% من المواطنين يعارضون العملة الموحدة، في حين أيدها 46.5%.
وقد كشفت تحقيقات عن حملات إعلامية ممولة من موسكو تهدف إلى تقويض الدعم للعملة الموحدة. ومع ذلك، تشير التقارير الإعلامية البلغارية ورسائل الاحتجاجات إلى أن التركيز الأساسي للمظاهرات كان على مكافحة الفساد وتحسين الظروف المعيشية، وليس على توجيه الغضب بشكل مباشر نحو الاتحاد الأوروبي.
كما أن الادعاءات التي تصف الحكومة بأنها “اشتراكية” هي ادعاءات مضللة. فالتحالف الحكومي يتكون من حزب “جيرب” اليميني، والحزب الاشتراكي البلغاري وحلفائه، والحزب القومي “هناك مثل هذا الشعب”.
وأكد مارتن أتاناسوف، الناشط والطالب في المدرسة الثانوية والذي شارك في الاحتجاجات، لفريق “The Cube” التابع لـ Euronews، أن الاحتجاجات ليست “معادية لليورو بطبيعتها”. وأضاف أن المتظاهرين لديهم آراء متنوعة، لكن معارضة اليورو ليست الرسالة الأساسية للحركة. “ما يوحد المتظاهرين هو المطالبة بالشفافية والثقة والحكم الرشيد”، حسب قوله.
في المقابل، أكد متحدث باسم المفوضية الأوروبية أن الاحتجاجات وسقوط الحكومة اللاحق لا يؤثران حاليًا على خطط بلغاريا للانضمام إلى منطقة اليورو، والمقرر إجراؤه في الأول من يناير 2026.
بلغاريا عرضة للتضليل
أظهرت العديد من التحقيقات أن بلغاريا بلد عرضة للتضليل الروسي. وخلصت دراسة أجراها مركز المعلومات والديمقراطية والمواطنة في الجامعة الأمريكية في بلغاريا إلى أن البلاد هي هدف بشكل غير متناسب لشبكة “برافدا”، وهي شبكة تضم أكثر من 190 موقعًا إلكترونيًا تنشر روايات مؤيدة للكرملين. الخطر المتمثل في انتشار المعلومات المضللة حول القضايا السياسية و الاقتصادية يهدد استقرار البلاد.
من المتوقع أن تشهد بلغاريا انتخابات برلمانية مبكرة في وقت مبكر من العام المقبل. وستكون هذه الانتخابات بمثابة اختبار حقيقي للمشهد السياسي في البلاد، وقدرة الأحزاب على الاستجابة لمطالب المتظاهرين وإجراء إصلاحات حقيقية. وتترقب المستويات الأوروبية طبيعة الحكومة القادمة و مدى التزامها بدعم استقرار البلاد و مكافحة الفساد.

