دعت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر الأبيض المتوسط، دوبرافكا شويتسا، إلى مشاركة الاتحاد الأوروبي في “مجلس السلام” الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كجزء من خطته للتعامل مع قطاع غزة، مؤكدة أهمية دور الاتحاد كأكبر مانح ومشارك رئيسي في جهود إعادة الإعمار والاستقرار في المنطقة. وتأتي هذه الدعوة في وقت يزداد فيه الجدل حول تأثير هذه المبادرة على مستقبل القضية الفلسطينية.
أكدت شويتسا، في تصريحات لـ “يورونيوز”، أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يحصل على مقعد في هذا المجلس، مشيرة إلى أن الاتحاد ليس فقط أكبر جهة مانحة، بل أيضاً من أهم اللاعبين المعنيين، وأقربهم جغرافياً لغزة. تأتي هذه التصريحات بعد يوم واحد من تأييد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لخطة ترامب، مع امتناع روسيا والصين عن التصويت.
خطة ترامب لغزة: دور الاتحاد الأوروبي ومستقبل “مجلس السلام”
تُعد خطة ترامب لغزة، التي تتضمن إنشاء “مجلس السلام”، من المبادرات المثيرة للجدل، حيث يرى البعض أنها قد تمنح الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في مستقبل القطاع، بينما يشعر آخرون بالقلق من تهميش القوى الإقليمية الأخرى. وتركز الخطة على الإشراف على إعادة إعمار غزة وتعزيز التعافي الاقتصادي، بالإضافة إلى تنسيق المساعدات الإنسانية ودعم إدارة فلسطينية “تكنوقراطية”.
لم يتم الكشف بعد عن أسماء أعضاء المجلس، ولكن ترامب ذكر في منشور على منصته “Truth Social” أنه سيتضمن “أقوى وأكثر القادة احتراماً في العالم”. وشدد على أن الإعلان عن أعضاء المجلس ومزيد من التفاصيل سيتم في الأسابيع القادمة. وكان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير قد ذكر بشكل صريح كأحد الأعضاء المحتملين في الخطة.
محادثات أوروبية-أمريكية مستمرة
أفاد مسؤول في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن تمثيل أوروبي في هذا المجلس ما زالت جارية. ومن المتوقع أن تتم مناقشة هذه القضية خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الخميس 20 نوفمبر.
في الوقت ذاته، يتركز الاهتمام على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد تلقى دعوة رسمية من ترامب للانضمام إلى المجلس. وجاء رد شويتسا مقتضباً: “لنرى”.
تأتي هذه التطورات في ظل سياقات إقليمية معقدة، بما في ذلك الحرب المستمرة في غزة وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية. يذكر أن منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تشكل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
اجتماع مجموعة المانحين لدعم فلسطين
بالتزامن مع ذلك، ستترأس المفوضة شويتسا ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى اجتماعاً لمجموعة المانحين لدعم فلسطين، بهدف الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب في غزة. ومن المتوقع أن يحضر الاجتماع ممثلون عن 60 دولة ومنظمة دولية، بما في ذلك دول أوروبية ودول من الشرق الأوسط.
أوضحت شويتسا أن المجموعة ستركز على سبل تمكين السلطة الفلسطينية، والسعي لتمكينها من تولي بعض الخدمات في فلسطين، ليس فقط في الضفة الغربية بل وفي قطاع غزة أيضاً في المستقبل. ويعد دعم السلطة الفلسطينية جزءاً من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لدعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وقدرتها على الحكم.
يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات للفلسطينيين، ولكن صرف معظم هذه المساعدات للسلطة الفلسطينية يخضع لتقدمها في إجراء إصلاحات اقتصادية وحوكمة رئيسية. لكن هناك مخاوف متزايدة من أن إسرائيل تدفع الأراضي الفلسطينية إلى حافة الانهيار المالي من خلال حجب الضرائب المستحقة للسلطة، وهي ممارسة وصفتها منظمات الأمم المتحدة بأنها “خنق مالي”.
وشددت شويتسا على ضرورة قيام إسرائيل بإطلاق هذه الضرائب للشعب الفلسطيني، معتبرة ذلك شرطاً أساسياً لتحسين الأوضاع المعيشية. كما دعت إلى التزام إسرائيل بمزيد من الإجراءات التي تعزز عملية السلام، مشيرة إلى أن إسرائيل ليست متحمسة لحل الدولتين، ولكن يجب أن تبدأ في تحديد ما تريده تدريجياً.
من الجانب الأوروبي، تواجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلافات عميقة حول الحرب في غزة، مما يعيق قدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات موحدة. وقالت شويتسا: “سيكون الأمر أسهل بكثير إذا اعترفت جميع الدول الأعضاء بدولة فلسطينية”، لكنها أضافت أن هذا الاعتراف لن يغير الوضع بشكل جذري.
أكدت شويتسا على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في إعادة إعمار غزة، مشيرة إلى أن أوروبا لا يمكنها القيام بذلك بمفردها. وشددت على ضرورة مشاركة دول الخليج والإدارة الأمريكية في هذه الجهود. كما أشارت إلى أهمية إيجاد حلول مستدامة للأزمة الإنسانية والاقتصادية في القطاع.
الخطوات التالية ستكون حاسمة في تحديد مسار “مجلس السلام” ومستوى مشاركة الاتحاد الأوروبي فيه. ينبغي متابعة نتائج محادثات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك التطورات المتعلقة بتشكيل أعضاء المجلس. بالإضافة إلى ذلك، فإن مستقبل المساعدات الأوروبية للفلسطينيين سيعتمد على التزام إسرائيل بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية في الأراضي الفلسطينية.

