تستعد الاتحاد الأوروبي لإطلاق مبادرة واسعة النطاق لتطوير مهارات القوى العاملة في قطاع الدفاع، بهدف سد الفجوة المتزايدة في الكفاءات اللازمة لمواكبة طموحات التسلح المتصاعدة. وتسعى المفوضية الأوروبية إلى تأهيل أو إعادة تأهيل 600 ألف شخص للعمل في هذا القطاع بحلول عام 2030، وذلك استجابة للتحديات التي يواجهها القطاع في جذب المواهب والاحتفاظ بها.
أعلنت المفوضية الأوروبية عن هذه الخطة في إطار “خريطة طريق تحول صناعة الدفاع” يوم الأربعاء، والتي تشمل أيضاً إنشاء “منصة مواهب الدفاع” لدعم التدريب المهني في الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة التي تعمل في مجالات ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري). يأتي هذا الإجراء في وقت يشهد فيه الاتحاد الأوروبي سباقاً محمومًا لتعزيز قدراته العسكرية، خاصةً مع تزايد المخاوف بشأن التهديدات الأمنية المحتملة.
نقص الكفاءات يهدد قدرات الدفاع الأوروبية
أكد مسؤول في المفوضية الأوروبية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن “تأمين المهارات اللازمة للدفاع أصبح ضرورة ملحة”. وأضاف أن “هذا التحدي يزداد تعقيداً مع تزايد الطلب على المنتجات والابتكارات الدفاعية، مما يؤدي إلى منافسة شرسة على الكفاءات بين الشركات العاملة في هذا القطاع وحتى بين القطاعات المختلفة”.
تعود جذور هذه المشكلة إلى عقود من التقليل من الاستثمار في قطاع الدفاع في دول الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يشهد سوق العمل في صناعة الدفاع تحسناً ملحوظاً منذ عام 2022، بالتزامن مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تعهدت دول الاتحاد بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي. تشير البيانات إلى أن القطاع وفر حوالي 581 ألف وظيفة في عام 2023.
ومع ذلك، حذرت المفوضية الأوروبية من أن فجوة المهارات والعمالة في القطاع “تشكل تهديداً لقدراته التشغيلية، وبالتالي تؤثر على أمن الاتحاد الأوروبي”. ويشمل هذا النقص الكفاءات في كل من جانب العرض، حيث تتسارع وتيرة تطوير التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمومية للاستخدامات الدفاعية، وجانب الطلب، حيث تحتاج القوات المسلحة وهيئات المشتريات إلى الخبرة اللازمة لاكتساب هذه الأنظمة الجديدة ودمجها بسرعة.
برامج إعادة التأهيل والتدريب
تسعى المفوضية الأوروبية إلى معالجة هذا النقص من خلال إطلاق برنامج “ضمان المهارات” التجريبي. يهدف هذا البرنامج إلى مساعدة العاملين في قطاع السيارات وسلاسل التوريد المرتبطة به – الذين يواجهون إعادة الهيكلة أو خطر البطالة – على الانتقال إلى وظائف في القطاعات الاستراتيجية الناشئة مثل الدفاع. وتركز هذه المبادرة على الاستفادة من المهارات القابلة للنقل الموجودة لدى هذه القوى العاملة.
كما أعلن المفوض الأوروبي لشؤون الدفاع، أندريوس كوبيليوس، أن الإجراءات تهدف إلى “تطوير مهارات حوالي 12٪ من القوى العاملة الحالية في مجالي الدفاع والفضاء كل عام، وإعادة تأهيل 600 ألف شخص للعمل في صناعة الدفاع بحلول عام 2030″. يتماشى هذا الهدف مع الجهود الأوسع لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في مجال الأمن والدفاع.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط المفوضية لإنشاء “منصة مواهب صناعة الدفاع الأوروبية” لدعم التدريب المهني من خلال نظام من القسائم. يهدف هذا البرنامج التجريبي إلى توفير 300 قسيمة للطلاب. وتشرح المفوضية أن الهدف من هذه المبادرة هو “توفير فرص للشباب الموهوبين للتعرف على متطلبات دمج الابتكار في النظام البيئي الدفاعي”.
وعلاوة على ذلك، تعتزم المفوضية الاستفادة من المؤسسات التعليمية الأوروبية عبر الإنترنت، مثل أكاديمية الفضاء الأوروبية (EUSPA Space Academy) وأكاديميات المهارات الرقمية، لتعزيز المهارات المتعلقة بالدفاع. تخطط أيضًا لإنشاء أكاديمية مخصصة للمهارات في صناعة الدفاع الأوروبية، ولكن ليس قبل عام 2028، مع بدء فترة ميزانية جديدة للاتحاد الأوروبي. تتناول هذه الخطوة أيضاً تطوير القدرات العسكرية و الأمن السيبراني.
يأتي هذا التحرك في سياق استعدادات متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة سيناريوهات الحرب المحتملة. التقديرات تشير إلى أن روسيا قد تكون في وضع يسمح لها بمهاجمة دولة أوروبية أخرى بحلول نهاية العقد. يتمثل التحدي الرئيسي في ضمان قدرة الصناعة الدفاعية الأوروبية على الاستجابة بسرعة وفعالية لهذه التهديدات.
من المتوقع أن تعرض المفوضية الأوروبية تفاصيل هذه المبادرات على الدول الأعضاء في الأشهر المقبلة، بهدف الحصول على دعمها وتنفيذها بشكل فعال. مع ذلك، لا تزال هناك بعض أوجه عدم اليقين، بما في ذلك مدى التمويل المتاح وكيفية تنسيق الجهود بين الدول الأعضاء المختلفة. ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو مدى سرعة استجابة الصناعة الدفاعية الأوروبية لهذه الخطة، وما إذا كانت ستكون كافية لسد الفجوة المتزايدة في المهارات.

