مع تصاعد الضغوط الأمريكية على فنزويلا، يحذر الخبراء من أن سقوط نيكولاس مادورو قد يفتح الباب أمام خليفة “أسوأ” منه، ويطلق العنان لمشهد تهيمن عليه عصابات المخدرات والفصائل المسلحة والأمراء المحليين المتجذرين في فنزويلا لعقود. وتواجه الولايات المتحدة الآن تحديًا يتجاوز مادورو ليشمل منظومة متكاملة من الجماعات المسلحة غير الحكومية التي قد تستولي على السلطة في فراغ محتمل بعد رحيله. هذا التطور يثير مخاوف بشأن مستقبل فنزويلا واستقرار المنطقة.

لم تعد فنزويلا دولة ذات سلطة مركزية بقدر ما هي فسيفساء من الأراضي الإجرامية التي تسيطر عليها العصابات والمتمردون الكولومبيون والمليشيات الموالية للنظام. ويقول المحللون إن السياسة الأمريكية تواجه الآن ليس فقط مادورو، بل أيضًا نظامًا راسخًا من الجماعات المسلحة غير الحكومية التي يمكن أن تستغل أي حالة من عدم الاستقرار. هذا الوضع المعقد يزيد من صعوبة تحقيق انتقال سلمي وديمقراطي في البلاد.

مخاطر ما بعد مادورو: شبح الفوضى والعصابات

ترى روكسانا فيجيل، الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية ومسؤولة الأمن القومي الأمريكية السابقة التي تركز على أمريكا اللاتينية، أن المسار الحالي ثنائي. فالسيناريو الأول هو استمرار الضغوط الأمريكية وتصاعدها، مما قد يؤدي إلى صراع وفقدان السيطرة على الأحداث. أما السيناريو الثاني فهو التفاوض والبحث عن حل سياسي يضمن انتقالًا سلميًا للسلطة.

ويكمن الخطر، وفقًا للخبراء، ليس فقط في ظهور نسخة أكثر صرامة من مادورو، بل في صعود الفاعلين المسلحين الذين يسيطرون بالفعل على أجزاء كبيرة من الأراضي الفنزويلية. فالانهيار غير المنضبط قد يؤدي إلى وضع أكثر خطورة من الوضع الحالي، حيث قد تظهر شخصيات قادرة على تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.

يشير جيسون ماركزاك، نائب الرئيس والمدير الأول في مركز أدريان أرشت لأمريكا اللاتينية في مجلس الأطلسي، إلى أن هذه المراكز النفوذ تشمل بعض أكثر العصابات الإجرامية عنفًا في نصف الكرة الغربي. ويؤكد على أهمية عدم السماح لأي من المقربين من مادورو بالوصول إلى السلطة، لأنهم قد يكررون نفس الأخطاء والجرائم.

الشخصيات الرئيسية المتنافسة على السلطة

في حال فشل قادة المعارضة، ماريا كورينا ماشادو وإدموندو غونزاليس، في ملء الفراغ في فنزويلا بعد مادورو، هناك عدد من الشخصيات الخطيرة التي قد تسعى إلى الاستيلاء على السلطة. وتشمل هذه الشخصيات:

ديوسدادو كابيلو

يظهر ديوسدادو كابيلو كشخصية مخيفة وذات نفوذ كبير في النظام الفنزويلي. وصفته صحيفة لا ناسيون بأنه الرجل الثاني في حركة “التشافية” منذ فترة طويلة، ويمتلك سيطرة واسعة على آليات الحزب وأجهزة الدعاية. ويمتد نفوذه من إنفاذ السياسات الداخلية إلى وزارتي الداخلية والعدل.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على كابيلو في عام 2018 بتهم الفساد وغسيل الأموال والاختلاس والارتباط بشبكات تهريب المخدرات داخل الدولة. وقد وثقت وكالة رويترز كيف زادت الولايات المتحدة لاحقًا من المكافآت مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله كجزء من جهود أوسع لاستهداف “كارتل الشمس”. ويرى المحللون أن حكومة بقيادة كابيلو قد تؤدي إلى ترسيخ سلطة الحزب وقوات الأمن والدعاية تحت قيادة صارمة.

خورخي رودريغيز

خورخي رودريغيز، رئيس الجمعية الوطنية وأحد أقرب المتعاونين السياسيين لمادورو، هو شخصية بارزة أخرى في أي سيناريو خلفي. تسلط صحيفة لا ناسيون الضوء على مكانته داخل النخبة الحاكمة، مشيرة إلى مناصبه كعمدة ووزير اتصالات واستراتيجي رئيسي.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رودريغيز بسبب أفعاله التي تقوض المؤسسات الديمقراطية، وفقًا لملخص لمجلس الأطلسي لتصنيفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC). ويحذر الخبراء من أن رودريغيز قد يفرض نسخة أكثر تقنية – ولكنها لا تقل استبدادية – من “التشافية”، مع الجمع بين مهارات التفاوض والسيطرة على العمليات الانتخابية وأنظمة معلومات الدولة.

فلاديمير بادرينو لوبيز

يصور فلاديمير بادرينو لوبيز، وزير الدفاع الفنزويلي منذ فترة طويلة، على أنه الدعامة الأساسية للمؤسسة العسكرية والضامن لبقاء مادورو. تظل القوات المسلحة موالية له، مما يشكل محور قوة بين بادرينو ومادورو.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بادرينو لوبيز كجزء من الدائرة الداخلية لمادورو بسبب الحفاظ على نظام استبدادي وتمكين القمع. ويحذر المراقبون من أنه إذا تولى بادرينو القيادة، فقد تتحول فنزويلا إلى نموذج أكثر عسكرة – حيث يتم دمج السلطة السياسية بشكل علني مع هياكل القيادة العسكرية.

ديلسي رودريغيز

تعتبر ديلسي رودريغيز، نائبة الرئيس الفنزويلي، شخصية سياسية مركزية داخل النظام وجزءًا من ثنائي حاكم قوي مع شقيقها خورخي. يمتد نفوذها إلى المجالات المؤسسية والاقتصادية والدبلوماسية. فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رودريغيز كجزء من الدائرة الداخلية لمادورو لمساعدتها في تفكيك الحكم الديمقراطي، وقامت الاتحاد الأوروبي بإدراجها في تدابير تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وتآكل سيادة القانون.

ويلاحظ المحللون أن رودريغيز تولت بشكل متزايد السيطرة على القطاعات الحيوية، بما في ذلك صناعة النفط، مما يجعلها في قلب الهياكل الشفافة للإيرادات التي تدعم النظام. ويحذرون من أن الانتقال بقيادتها قد يؤدي إلى تشديد سيطرة الدولة على الاقتصاد والأجهزة السياسية.

سيليا فلوريس

تعتبر سيليا فلوريس، السيدة الأولى وزعيمة “التشافية” منذ فترة طويلة، من بين الشخصيات الأساسية التي حددتها لا ناسيون باعتبارها ضرورية لبقاء مادورو في السلطة. شغلت فلوريس مناصب رفيعة المستوى، بما في ذلك رئيسة الجمعية الوطنية والمدعية العامة وعضوة في قيادة الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا (PSUV).

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فلوريس في عام 2018 كجزء من إجراءات أوسع تستهدف الدائرة الداخلية لمادورو وشبكات الفساد الخاصة بهم، وهو ما نقلته رويترز على نطاق واسع. ويقول المحللون إن نفوذها السياسي وتأثيرها داخل الحزب والنظام القانوني يجعلها لاعباً محورياً في أي حسابات للخلافة.

الوضع في فنزويلا لا يزال معقداً وغير مؤكد. ويعتمد مستقبل البلاد على التطورات القادمة والقرارات التي ستتخذها الأطراف المعنية.

من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على نظام مادورو، مع التركيز على العقوبات المستهدفة ومكافحة تهريب المخدرات. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة المعارضة على التوحد وتقديم رؤية مقنعة لمستقبل فنزويلا. وما إذا كانت هذه الجهود ستؤدي إلى انتقال سلمي وديمقراطي أم إلى مزيد من الفوضى والعنف، يبقى سؤالاً مفتوحاً.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version