فرضت المفوضية الأوروبية غرامة قدرها 120 مليون يورو على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” (X)، المملوكة لإيلون ماسك، وذلك في أول عقوبة تطبق بموجب قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act) التاريخي. جاءت هذه الغرامة بعد تحقيق استمر عامين، وتتعلق بشكل أساسي بمخالفات تتعلق بشفافية المنصة، وتحديدًا نظام العلامات الزرقاء المدفوعة، والإعلانات. هذا القرار يمثل تطوراً هاماً في تنظيم منصة إكس والتعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى في أوروبا.

أعلنت المفوضية الأوروبية عن الغرامة يوم الجمعة، مشيرةً إلى أن التحقيق ركز على عدة جوانب، بما في ذلك المخاطر المحتملة للارتباك لدى المستخدمين بسبب العلامات الزرقاء المدفوعة، وعدم الامتثال لمتطلبات الشفافية فيما يتعلق بالإعلانات، وتقييد الوصول إلى البيانات اللازمة للباحثين. تستهدف هذه الإجراءات حماية المستخدمين وضمان بيئة رقمية آمنة وشفافة داخل الاتحاد الأوروبي.

التحقيق الأوروبي في ممارسات “إكس”

يكمن جوهر التحقيق في التغييرات التي أُدخلت على نظام العلامات الزرقاء. ففي السابق، كانت هذه العلامات تُمنح للحسابات الرسمية مجانًا، ولكنها أصبحت الآن تُباع بمبلغ 7 يورو شهريًا. ترى المفوضية أن هذا النظام قد يؤدي إلى تضليل المستخدمين بشأن هوية الحسابات، حيث أن الحساب الذي يحمل علامة زرقاء مدفوعة لا يضمن بالضرورة أنه حساب حقيقي أو تابع لمستخدم فعلي، بل قد يكون حسابًا آليًا (بوت).

بالإضافة إلى ذلك، وجدت المفوضية أن “إكس” لم تلتزم بالتزاماتها المتعلقة بالشفافية في الإعلانات. وهذا يشمل عدم توفير سجل محدث للمعلنين، مما يجعل من الصعب على المستخدمين والسلطات تحديد مصدر الإعلانات والتأكد من مصداقيتها. هذه النقطة تثير قلقًا خاصًا في سياق الحملات الانتخابية، حيث يمكن استخدام الإعلانات المضللة للتأثير على الرأي العام.

مخالفات تتعلق ببيانات المستخدمين والباحثين

كما انتقدت المفوضية الأوروبية “إكس” لعدم تقديم أسباب واضحة لتحديد الفئة المستهدفة من بعض الإعلانات، مما يثير تساؤلات حول ممارسات استهداف المستخدمين واحترام خصوصيتهم. هذا الأمر يتعلق أيضًا بما يعرف بـ”البيانات الضخمة” (Big Data) وكيفية استخدامها في الإعلانات عبر الإنترنت.

علاوة على ذلك، لم توفر “إكس” للباحثين البيانات اللازمة حول عدد المشاهدات والإعجابات، وهو ما يتعارض مع التزاماتها بموجب قانون الخدمات الرقمية. هذه البيانات ضرورية للباحثين لفهم كيفية انتشار المعلومات على المنصة وتقييم تأثيرها على المستخدمين والمجتمع.

وقد تم تحديد مبلغ الغرامة بناءً على مبدأ “التناسب”، وفقًا لمسؤول في المفوضية. حيث تم تخصيص 45 مليون يورو لمخالفة العلامات الزرقاء، و40 مليون يورو لتقييد الوصول إلى البيانات للباحثين، و35 مليون يورو لعدم توفير سجل الإعلانات. ومع ذلك، لا تزال هذه الغرامة أقل بكثير من الحد الأقصى للغرامة الذي يمكن أن يفرضه قانون الخدمات الرقمية، والذي يصل إلى 6٪ من إجمالي إيرادات “إكس” العالمية.

يعتبر هذا الإجراء الجزائي صغيرًا نسبيًا مقارنة بالغرامات التي فُرضت على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى الأخرى في أوروبا. ففي أبريل الماضي، على سبيل المثال، تم تغريم شركتي آبل وميتا (فيسبوك) بمبلغي 500 مليون يورو و200 مليون يورو على التوالي بموجب قوانين مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي.

استغرق التحقيق الذي أجرته المفوضية الأوروبية عامين قبل أن تقرر تغريم “إكس”، وهو تأخير تعرض لانتقادات من قبل العديد من الحكومات والمفوض السابق تييري بريتون. وأفاد مسؤول في الاتحاد الأوروبي لـ “يورونيوز” أن التأخير كان يهدف إلى بناء قضية قانونية قوية، توقعًا لرفع “إكس” دعوى قضائية للطعن في النتائج.

في الواقع، أبدى نائب الرئيس الأمريكي، جاي دي فانس، انتقاده للقرار قبل إعلانه رسميًا، حيث نشر تغريدة على “إكس” اتهم فيها الاتحاد الأوروبي بمحاولة فرض الرقابة. كما انتقد فانس قوانين الاتحاد الأوروبي الرقمية في وقت سابق، واصفًا المفوضين الأوروبيين بـ “الشرطة السياسية” على غرار الشرطة السرية السوفيتية.

لا يزال هناك تحقيقان آخران جاريان ضد “إكس”، أحدهما يتعلق بكيفية تعامل المنصة مع المحتوى غير القانوني، وكيف يمكن للمستخدمين الإبلاغ عنه، ومدى كفاءة المنصة في حذفه. والتحقيق الآخر يركز على خوارزميات التوصية الخاصة بالمنصة، خاصة فيما يتعلق بتطرف الإرهاب وأثناء الحملات الانتخابية. هذه القضايا تعتبر بالغة الأهمية لضمان سلامة المستخدمين وحماية العمليات الديمقراطية.

في الوقت نفسه، أعلنت المفوضية الأوروبية عن ترحيبها بالتزام شركة تيك توك (TikTok) فيما يتعلق بتوفير سجلات الإعلانات. كانت شركة تيك توك تخضع للتحقيق منذ بداية العام الحالي، ولكنها تعهدت بتحسين نظامها لضمان الشفافية والامتثال لقانون الخدمات الرقمية.

من المتوقع أن تواصل المفوضية الأوروبية مراقبة “إكس” عن كثب، وقد تفرض المزيد من الغرامات إذا لم تلتزم المنصة بالقانون. كما يجب على “إكس” تقديم خطة عمل تصحيحية للمفوضية في غضون فترة زمنية محددة. ستكون الخطوات التالية لـ “إكس” حاسمة في تحديد مستقبلها في السوق الأوروبية، وما إذا كانت ستتمكن من الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version