تستعد الاتحاد الأوروبي لتعزيز شراكاته مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط في إطار مبادرة جديدة تهدف إلى التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل. وأكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشراكات مع الجوار الجنوبي، دوبرافا شويتسا، في مقابلة حصرية مع يورونيوز، على رغبة أوروبا في أن تكون “لاعبًا” وليس مجرد “دافع” في المنطقة، وهو ما يعكس تحولاً محتملاً في سياسة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والبحر الأبيض المتوسط.
تأتي هذه المبادرة في ظل تزايد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، ومع تزايد المخاوف بشأن الهجرة وعدم الاستقرار. وتسعى بروكسل إلى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة من خلال الاستثمار في التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل في الدول المجاورة، مع التأكيد على أهمية خلق فرص عمل مستدامة بدلاً من تفريغ الكفاءات.
أهمية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والبحر الأبيض المتوسط
تعتبر هذه المبادرة الجديدة محاولة لإعادة إحياء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط، بعد أن واجهت السياسات السابقة انتقادات بسبب عدم تحقيقها للنتائج المرجوة. وبحسب شويتسا، أجرت المفوضية الأوروبية مشاورات واسعة النطاق مع الحكومات ومراكز الفكر والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني قبل إطلاق هذه المبادرة.
أهداف المبادرة
تشمل أهداف المبادرة الرئيسية تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في دول جنوب المتوسط، وتشجيع الاستثمار، ودعم ريادة الأعمال، وخلق فرص العمل للشباب. وتسعى المبادرة أيضاً إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة، مع التركيز على التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة وتقليل التلوث البيئي.
وأشارت شويتسا إلى أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مانح للمساعدات لدول المنطقة، وأن بروكسل تسعى إلى تحويل هذه المساعدات إلى استثمارات شراكة حقيقية.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المبادرة التركيز على بناء قدرات المؤسسات الفلسطينية، وتمكين السلطة الفلسطينية من تولي مسؤولياتها في المستقبل. وتأتي هذه الجهود في سياق الاستعدادات لما بعد الحرب في غزة، والسعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
المشاركة في خطة ترامب للسلام
في سياق منفصل، كشفت شويتسا عن تلقي دعوة للانضمام إلى “مجلس السلام” الذي اقترحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كجزء من خطته للسلام في المنطقة. وأكدت أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون ممثلاً في هذا المجلس، نظراً لدوره الهام كداعم مالي وسياسي للمنطقة، وقربه الجغرافي من الصراع.
وحول موعد تلقي الدعوة الرسمية، قالت شويتسا: “دعونا نرى”. ومن المتوقع مناقشة هذه المسألة بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الذي سيعقد يوم الخميس 20 نوفمبر.
في نفس اليوم، سترأس شويتسا مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى مجموعة مانحي فلسطين، بمشاركة حوالي 60 وفداً دولياً من أوروبا والشرق الأوسط. وستركز المجموعة على سبل تمكين السلطة الفلسطينية، وتعزيز قدرتها على الحكم والتنمية.
وتواجه السلطة الفلسطينية ضغوطاً مالية متزايدة، بسبب حجب إسرائيل للضرائب المستحقة لها. وصفت خبراء الأمم المتحدة هذا الإجراء بأنه “خنق مالي” يهدد بانهيار النظام الفلسطيني. وشددت شويتسا على ضرورة أن تفرج إسرائيل عن هذه الضرائب لصالح الشعب الفلسطيني.
يذكر أن قضية التعاون الأوروبي مع دول الجوار الجنوبي ليست جديدة، فقد شهدت المنطقة العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتنمية، لكنها غالباً ما واجهت تحديات وصعوبات في التنفيذ. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه المبادرة الجديدة قد تكون مختلفة، نظراً لاهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بالمنطقة، ورغبته في أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في تحديد مستقبلها.
وتعتبر قضية التنمية الاقتصادية في دول جنوب المتوسط أمراً حيوياً لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. ومن خلال الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، يمكن خلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى معيشة السكان.
من المتوقع أن يركز الاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة على تفعيل آليات التعاون مع دول جنوب المتوسط، وتقديم الدعم الفني والمالي اللازم لتنفيذ المشاريع والبرامج المشتركة. كما سيحرص على متابعة وتقييم التقدم المحرز، والتأكد من أن المساعدات تصل إلى مستحقيها.
يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التزام إسرائيل بالإفراج عن الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة من قبل الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المعنية. وستظهر الأيام القادمة مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تحويل هذه المبادرة إلى واقع ملموس، وتحقيق نتائج إيجابية على الأرض.

