تُعدّ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قوة رئيسية في المشهد السوري المعقد، وتلعب دورًا هامًا في السيطرة على مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد. وتشكل الوحدات الكردية، التي تنضوي تحت راية “حزب الاتحاد الديمقراطي” (pyd)، العمود الفقري لهذه القوة، مما يثير جدلاً حول ارتباطها بحزب “العمال الكردستاني” المصنف إرهابيًا من قبل العديد من الدول. يستعرض هذا المقال تاريخ التشكيل، ونطاق النفوذ، وأحدث التطورات المتعلقة بـ قوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك اتفاقها الأخير مع الحكومة السورية.
تاريخ تشكيل قوات سوريا الديمقراطية ودورها في الحرب ضد داعش
بدأت نواة “قوات سوريا الديمقراطية” في التشكيل مع تصاعد الصراع في سوريا وتزايد نفوذ تنظيم “داعش” الإرهابي. حاولت الولايات المتحدة وقتها إيجاد شريك موثوق به على الأرض لمواجهة هذا التنظيم المتطرف، وتوجهت نحو دعم الفصائل الكردية السورية. في العاشر من أكتوبر عام 2015، تم الإعلان الرسمي عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي، بعد موافقة واشنطن على تزويدها بالأسلحة لمكافحة “داعش”.
منذ ذلك الحين، شاركت القوات الكردية، تحت مظلة “قسد”، في العديد من المعارك ضد تنظيم “داعش” بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. تعتبر معركة تحرير مدينة كوباني عام 2015 من أبرز هذه المعارك، حيث أظهرت “قسد” قدرة قتالية عالية ورغبة في الدفاع عن مناطقها.
الدعم الأمريكي وتطور القدرات القتالية
تلقت “قسد” على مدار السنوات الماضية دعماً عسكرياً ولوجستياً هاماً من الولايات المتحدة، شمل أسلحة ثقيلة وتدريبًا استشارياً. تشير تقديرات البنتاجون لعام 2017 إلى أن عدد مقاتلي “قسد” وصل إلى حوالي 45 ألفًا. وقد ساهم هذا الدعم في تطوير قدرات “قسد” القتالية وتحسين أدائها في المعارك ضد “داعش”.
النفوذ الجغرافي والاتفاق مع الحكومة السورية
تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” حاليًا على مساحات شاسعة من الأراضي السورية الواقعة شمالي وشرق البلاد، تشمل مناطق في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب. تُشكل هذه المناطق معقلاً رئيسيًا للقوات الكردية، حيث تعمل على إدارة شؤونها الأمنية والمدنية بشكل شبه مستقل. ومع ذلك، تواجه “قسد” تهديدات مستمرة من تركيا، التي تعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” وتنفذ عمليات عسكرية متكررة في هذه المناطق.
في العاشر من مارس الماضي، شهدت العلاقات بين “قوات سوريا الديمقراطية” والحكومة السورية تطوراً لافتًا بتوقيع اتفاق في دمشق. وقّع على الاتفاق كل من رئيس اللجنة العليا للتفاوض السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي. يهدف الاتفاق إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في مناطق سيطرة “قسد” ضمن الدولة السورية. من أهم بنود هذا الاتفاق ضمان حقوق جميع السوريين، وتأكيد على أن المجتمع الكردي جزء أصيل من الدولة، ووقف إطلاق النار، وتسليم حقول النفط والمعابر الحدودية إلى السيطرة المركزية. كما ينص على عودة المهجرين وتأمين حمايتهم.
أتت هذه الخطوة بعد سنوات من التوتر وعدم الثقة بين الطرفين، وتعكس رغبة مشتركة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية مع مراعاة مصالح جميع المكونات. ويتضمن الاتفاق أيضًا بندًا يركز على دعم الدولة السورية في مكافحة بقايا الجماعات المسلحة وتهديدات الأمن القومي.
تحديات مستقبلية ومستقبل قوات سوريا الديمقراطية
على الرغم من الاتفاق الأخير، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه “قوات سوريا الديمقراطية” ومستقبلها في سوريا. أبرز هذه التحديات هو موقف الحكومة التركية، التي ترفض الاعتراف بـ “قسد” كقوة شرعية وتواصل تهديدها بشن عمليات عسكرية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يثير تنفيذ بنود الاتفاق مع الحكومة التركية، وخاصة فيما يتعلق بتسليم الأسلحة الثقيلة وحقول النفط، تساؤلات حول مدى استعداد الطرفين للتعاون والتنازل.
تنص اتفاقية 10 مارس على أن تطبيق بنودها يجب أن يتم بحلول نهاية عام 2025. ومع ذلك، فإن هذا الموعد النهائي يبدو طموحًا نظرًا للتعقيدات السياسية والعسكرية القائمة. من بين الأمور التي يجب مراقبتها عن كثب: تطور العلاقات بين “قسد” والحكومة السورية على أرض الواقع، ورد فعل تركيا على الاتفاق، ومستوى الدعم الذي ستحصل عليه “قسد” من الولايات المتحدة والجهات الإقليمية الأخرى. سيكون مسار هذه التطورات حاسماً في تحديد مستقبل قوات سوريا الديمقراطية ودورها في سوريا ما بعد الحرب.

