كشفت المخرجة التونسية كوثر بن هنية في مؤتمر صحفي افتراضي حضره صحفيون من مختلف أنحاء العالم، عن تفاصيل إخراج فيلمها الجديد “صوت هند رجب“، الذي يروي اللحظات الأخيرة في حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب. الفيلم، الذي لاقى استحساناً كبيراً في مهرجان فينيسيا السينمائي وحصل على جائزة الأسد الفضي، يمثل الترشيح الرسمي لتونس لجوائز الأوسكار، ويستعرض رحلة فنية وإنسانية معقدة، بالإضافة إلى المسؤولية الأخلاقية التي واجهتها بن هنية خلال عملية الإنتاج.

عُرض الفيلم في عدة مهرجانات دولية، وحظي بتفاعل عاطفي قوي من الجمهور، مما يعكس تأثير القصة المؤلمة للطفلة هند. وقد أشار النقاد إلى أن الفيلم يمثل شهادة مؤثرة على الأحداث الجارية في غزة، ويثير تساؤلات حول الإنسانية والعدالة في ظل الصراع.

رحلة صناعة “صوت هند رجب” والتحديات الأخلاقية

بدأت فكرة الفيلم بتسجيل صوتي لنداء الاستغاثة الذي أطلقته هند رجب قبل استشهادها، والذي نشره الهلال الأحمر الفلسطيني. بعد الحصول على موافقة الهلال الأحمر وأسرة الطفلة، تمكنت بن هنية من الوصول إلى التسجيلات الكاملة للمكالمات بين هند وطاقم الإسعاف، واعتبرت ذلك بمثابة ثقة كبيرة وضعت على عاتقها مسؤولية كبيرة.

أكدت بن هنية أنها لم تبدأ العمل في الفيلم إلا بعد الحصول على موافقة والدة هند، التي كانت لا تزال تعاني من صدمة الفقد. وذكرت أن الأم وافقت على إنتاج الفيلم خوفاً من أن تضيع ذكرى ابنتها وسط ضحايا آخرين في غزة. ومع ذلك، لم تتمكن الأم من مشاهدة الفيلم أو سماع صوت ابنتها في التسجيلات حتى الآن، بينما شاهد إخوة هند الفيلم وناقشوا التفاصيل مع فريق العمل.

دمج الوثائقي والروائي

شرحت بن هنية أن اختيار الجمع بين الأسلوبين الوثائقي والروائي جاء من رغبتها في نقل المشاهد مباشرة إلى تلك اللحظة الزمنية، وجعلهم يشعرون وكأن الطفلة ما زالت حية وتطلب المساعدة. ولتحقيق ذلك، اعتمدت على أسلوب تصوير وثائقي من حيث الأداء والتلقائية، مع إضافة عناصر درامية لإعادة تمثيل الأحداث بدقة.

توجيه الممثلين والصدق في الأداء

كشفت بن هنية أنها طلبت من الممثلين عدم تلقي أي توجيهات أدائية أو إعادة المشاهد، بل الاستماع إلى صوت هند الحقيقي لأول مرة أثناء التصوير، بهدف الحصول على ردود أفعال حقيقية وغير مصطنعة. وأوضحت أن الهدف لم يكن التمثيل، بل “الوجود الكامل داخل اللحظة”، وأن الممثلين عاشوا الألم لحظة بلحظة.

كما اعتمدت بن هنية على أسلوب “الإضاءة المسبقة” بدلاً من تغيير الإضاءة لكل مشهد، حفاظاً على انسيابية الأداء. وأشارت إلى أن فريق العمل بأكمله كان يتوقف مراراً أثناء التصوير لبكاء جماعي أو لالتقاط الأنفاس، بسبب الاستماع المستمر لصوت هند الحقيقي.

الفيلم كشهادة إنسانية

ترى بن هنية أن الفيلم ليس مجرد قصة إنقاذ أو دراما حرب، بل هو واقعة موثقة تهدف إلى إعادة الإنسانية للضحايا، خاصة بعد سنوات طويلة من تصوير الفلسطينيين كمجهولين. وأكدت أن السينما تمنح القدرة على التعاطف مع الآخرين وعيش لحظات حياتهم ومأساتهم، وهو ما حاولت تحقيقه من خلال فيلم “صوت هند رجب“.

وقد استعانت بن هنية بمشاهد حقيقية من أرشيف الهلال الأحمر، واستخدمت الهواتف المحمولة لإظهار اللحظة التي حاول فيها المسعفون معرفة مصير زملائهم الذين كانوا في طريقهم لإنقاذ هند. وأوضحت أن ذلك كان من المهم تذكير الجمهور بأن ما يشاهدونه ليس خيالاً، بل حدث بالفعل.

ردود الفعل السياسية

أشارت بن هنية إلى أنها لم تتلق أي رد رسمي من إسرائيل بشأن الفيلم، لكنها لفتت إلى أن موقفها الرسمي على القضية نفسها بقي على “الإنكار الكامل” لوجود قواتها في موقع استشهاد الطفلة، وهو ما يتعارض مع تحقيقات مستقلة.

وترى بن هنية أن السينما قد لا تغير السياسات بشكل مباشر، لكنها تستطيع أن تساهم في إحداث تغيير في الوعي العام، وأن تعكس المظالم من خلال قصص فردية تمثل جموعاً أكبر. وأكدت أن الفيلم أعاد لها إيمانها بالمهنة نفسها، وأن السينما يمكن أن تكون أداة للتغيير والتأثير.

مستقبل الفيلم والرسالة التي يحملها

اختتمت بن هنية حديثها بالتأكيد أن النجاح العالمي للفيلم ليس نجاحاً شخصياً لها، بل هو شهادة لصوت الطفلة التي تحولت إلى رمز. وأشارت إلى أن الجمهور في كل عرض يبكي ويتفاعل ويتقدم لاحتضان فريق الفيلم وطاقم الهلال الأحمر. وأكدت أن الفيلم “وثيقة حياة” لآخر ساعات عاشتها طفلة وسط الحرب، وأن صوتها سيظل يتردد في الذاكرة الجماعية.

من المتوقع أن تشارك تونس بفيلم “صوت هند رجب” في سباق جوائز الأوسكار، وسيتم الإعلان عن قائمة المرشحين النهائية في يناير القادم. ويترقب الكثيرون ردود الفعل الدولية على الفيلم، وما إذا كان سيساهم في تسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية في غزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version