سهلت السلطات السعودية مؤخرًا عملية استقطاب المزيد من المستثمرين إلى السوق الموازية “نمو”، من خلال إجراء تعديلات جوهرية تهدف إلى توسيع نطاق المستثمرين المؤهلين وزيادة السيولة. أعلنت هيئة السوق المالية السعودية عن هذه التعديلات كجزء من جهودها المستمرة لتطوير أسواق المال ودعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، بهدف جعل السوق أكثر جاذبية وفعالية.
تأتي هذه التعديلات في وقت تشهد فيه السوق الموازية نموًا مطردًا في عدد الشركات المدرجة، لكنها لا تزال تواجه تحديًا رئيسيًا يتمثل في انخفاض السيولة مقارنة بالسوق الرئيسية “تداول”. وتهدف هذه الخطوة إلى معالجة هذه الفجوة وتنشيط التداولات في السوق، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا وجاذبية للمستثمرين.
توسيع قاعدة المستثمرين المؤهلين في السوق الموازية
تضمنت التعديلات الجديدة معايير أكثر مرونة لتأهيل المستثمرين. أصبح حاملو شهادة البكالوريوس في مجالات المالية، والتمويل، والاستثمار، والمحاسبة مؤهلين للمشاركة في السوق الموازية، بالإضافة إلى حملة شهادات الماجستير والشهادات المهنية المالية المعتمدة. هذا التوسع يفتح الباب أمام شريحة أكبر من الأفراد للمشاركة في الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
تخفيف قيود التداول
بالإضافة إلى ذلك، خفضت الهيئة الحد الأدنى لقيمة الصفقات المطلوبة لتأهيل المستثمر إلى 20 مليون ريال على مدار 12 شهرًا. هذا التخفيض يمثل تخفيفًا كبيرًا مقارنة بالمتطلبات السابقة، مما يسهل على المستثمرين الجدد تلبية معايير الأهلية والمشاركة في السوق. كما تم إلغاء الشرط المتعلق بعدد الصفقات الفصلية، مما يبسّط الإجراءات ويقلل العبء الإداري على المستثمرين.
وشملت التسهيلات أيضًا السماح للعاملين أو السابقين في مناصب قيادية في الشركات المدرجة في السوق، مثل أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء اللجان المتخصصة، بالاستثمار في السوق الموازية. هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز الثقة في السوق وتشجيع مشاركة الخبراء والمتخصصين.
وفقًا لتقارير حديثة، لا تزال حجم التداول في السوق الرئيسية “تداول” يتجاوز حجم التداول في السوق الموازية “نمو” بأكثر من 100 ضعف، مما يبرر الحاجة إلى هذه التعديلات لتعزيز السيولة وتحسين أداء السوق الموازية.
خطوة متوافقة مع رؤية 2030 لتطوير أسواق المال
تعتبر هذه التعديلات جزءًا من مبادرة أوسع نطاقًا تندرج ضمن “رؤية 2030” الهادفة إلى تطوير القطاع المالي في المملكة العربية السعودية. أطلقت المملكة في عام 2018 برنامجًا طموحًا لتطوير القطاع المالي، يهدف إلى تحويله إلى مركز قوة للنمو والتنوع الاقتصادي.
يركز هذا البرنامج على الاستثمار في التقنيات المالية الحديثة (FinTech) لتحسين تجربة العملاء المصرفية وتسهيل الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية بجودة عالية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى البرنامج إلى تطوير الأنظمة والتشريعات المالية لجعلها أكثر كفاءة وفعالية، بما يدعم نمو القطاع الخاص ويجذب الاستثمارات الأجنبية.
وفي سياق ذلك، أعلنت هيئة السوق المالية عن خطوات لتعزيز الوصول إلى “نمو” وإبداء انفتاح أكبر على الإدراج المزدوج، مما يعكس التزام المملكة بتوفير بيئة استثمارية جاذبة ومتنوعة. وتأتي هذه الجهود بالتزامن مع النمو المتزايد لعدد الشركات المدرجة في السوق الموازية.
إلى جانب زيادة السيولة، من المتوقع أن تساهم هذه التعديلات في خفض تكلفة الاقتراض للشركات المدرجة في السوق الموازية، وتحسين تقييماتها، وتشجيع المزيد من الشركات على الإدراج. ومن المرجح أيضًا أن تزيد من اهتمام المستثمرين المؤسسيين والأفراد بالسوق الموازية، مما يعزز من نموها واستقرارها.
في المرحلة القادمة، يتوقع متابعون لسوق المال أن تركز هيئة السوق المالية على تقييم أثر هذه التعديلات على أداء السوق الموازية، وإجراء المزيد من التحسينات والتطويرات اللازمة لضمان تحقيق أهدافها المنشودة. كما سيتم مراقبة تطورات الاستثمار في التقنيات المالية الحديثة وتأثيرها على القطاع المالي بشكل عام. ورغم التفاؤل بشأن هذه التعديلات، تبقى هناك بعض المخاطر والتحديات المحتملة، مثل تقلبات الأسواق العالمية والتغيرات في السياسات الاقتصادية.

