يتداول المسؤولون والمحللون السياسيون مقترحًا أمريكيًا شاملاً يتضمن 28 بندًا يهدف إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة. يركز هذا المقترح، الذي تم إعداده بشكل سري، على إيجاد حلول وسطية معقدة بشأن القضايا الأمنية والإقليمية والاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية. وتأتي هذه الجهود في ظل استمرار القتال وتصاعد المخاوف بشأن التداعيات الإقليمية والعالمية للصراع.
تم تطوير خطة السلام هذه من خلال مفاوضات بين المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، ومبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كيريل ديميترييف. وقد تم تقديم تفاصيل الخطة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من قبل مسؤولين عسكريين أمريكيين في كييف، حيث أكد زيلينسكي نيته مناقشة الجوانب الرئيسية للخطة مع ترامب في أقرب وقت ممكن. تثير هذه الخطوة تساؤلات حول مسار المفاوضات المحتملة والجدول الزمني لتنفيذ أي اتفاق.
تفاصيل خطة السلام الأوكرانية المقترحة
تتضمن خطة السلام المقترحة مجموعة واسعة من البنود التي تغطي جوانب رئيسية من الصراع. أحد البنود الأساسية هو التأكيد على سيادة أوكرانيا، وهو موقف ثابت تتبناه الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومع ذلك، تترافق هذه النقطة مع مقترحات أخرى تهدف إلى معالجة المخاوف الأمنية الروسية ومواجهة المخاطر المحتملة للتصعيد المستقبلي.
الضمانات الأمنية والقيود العسكرية
تقترح الخطة إبرام اتفاق شامل لعدم الاعتداء بين روسيا وأوكرانيا ودول أوروبا، بهدف تسوية الخلافات المستمرة منذ عقود. كما تتضمن التزامًا من روسيا بعدم شن عمليات عسكرية ضد الدول المجاورة، وتعهدًا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) بوقف أي توسع إضافي. يعكس هذا التوازن سعيًا لتهدئة التوترات وتوفير بيئة أكثر استقرارًا في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، تدعو الخطة إلى حوار مباشر بين روسيا والناتو، بوساطة أمريكية، لمعالجة جميع القضايا الأمنية العالقة. ويهدف هذا الحوار إلى خلق الظروف المواتية لخفض التصعيد وتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المستقبلية. ويُعتبر تحقيق هذا الهدف أمرًا بالغ الأهمية لاستعادة الثقة وبناء علاقات بناءة بين الأطراف المتنازعة.
وتشير الخطة إلى تحديد عدد القوات المسلحة الأوكرانية بـ 600 ألف عنصر، وهو ما قد يثير جدلاً حول قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها في المستقبل. كما تتضمن شرطًا محددًا بأن يدرج الدستور الأوكراني بندًا يمنع الانضمام إلى الناتو، وأن يضيف الناتو نصًا مماثلًا في قانونه الأساسي. هذه البنود، بشكل خاص، تعتبر حساسة للغاية بالنسبة لأوكرانيا وسوف تتطلب دراسة متأنية.
إعادة الإعمار ورفع العقوبات
تتضمن خطة السلام أيضًا بنودًا تتعلق بإعادة إعمار أوكرانيا المدمرة. وتقترح إنشاء “صندوق تنمية أوكرانيا” للاستثمار في الصناعات الواعدة، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. كما تدعو إلى تعاون أمريكي أوكراني مشترك لإعادة بناء وتطوير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. وسيساهم البنك الدولي أيضًا في هذه الجهود من خلال حزمة تمويل خاصة.
تتماشى هذه المقترحات مع الجهود الدولية الرامية إلى مساعدة أوكرانيا على التعافي من آثار الحرب وتوفير فرص اقتصادية لمواطنيها. إلى جانب ذلك، تتضمن الخطة مقترحات لإعادة دمج روسيا في الاقتصاد العالمي من خلال رفع تدريجي للعقوبات المفروضة عليها. ويشمل ذلك اتفاق تعاون اقتصادي طويل الأجل بين الولايات المتحدة وروسيا في مجالات مثل الطاقة والموارد الطبيعية والذكاء الاصطناعي.
القضايا الإقليمية والأمن النووي
من بين أكثر الجوانب إثارة للجدل في خطة السلام المقترحة هي التعامل مع الوضع الإقليمي. تقترح الخطة الاعتراف بشبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك كمناطق روسية بحكم الأمر الواقع، وتجميد الوضع في خيرسون وزابوريجيا على طول خط التماس الحالي. هذا يعني اعترافًا فعليًا بالسيطرة الروسية على هذه المناطق، وهو ما قد يكون غير مقبول بالنسبة لأوكرانيا.
وفيما يتعلق بالأمن النووي، تدعو الخطة إلى إعادة تشغيل محطة زابوريجيا للطاقة النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع توزيع عادل للإنتاج الكهربائي بين روسيا وأوكرانيا. كما تشدد على أهمية تمديد معاهدات عدم الانتشار والسيطرة على الأسلحة النووية. تعتبر هذه البنود ضرورية لضمان السلامة والأمن في المنطقة ومنع أي تصعيد نووي.
تتضمن الخطة أيضًا إنشاء مجموعة عمل أمريكية روسية مشتركة حول القضايا الأمنية، بهدف تعزيز الالتزام بجميع أحكام الاتفاق. كما تدعو إلى تنفيذ برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز التسامح والتفاهم بين الثقافات المختلفة.
الوضع الحالي يتطلب دراسة متأنية لخطة السلام هذه. من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة نقاشات مكثفة بين الأطراف المعنية لتقييم جدوى الخطة وتحديد ما إذا كانت يمكن أن تشكل أساسًا لحل دائم للصراع. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا وروسيا على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة لتحقيق السلام، وما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على لعب دور فعال في الوساطة بينهما. يجب مراقبة ردود الفعل الرسمية من كييف وموسكو عن كثب، بالإضافة إلى التطورات على ساحة المعركة، لتقييم فرص نجاح هذه الجهود.

