تستعد وزارة المالية السعودية لإحداث تغيير جذري في نظام الرقابة المالية الحكومية، وذلك بإلغاء نظام “الممثلين الماليين” الذي استمر لعقود، واستبداله بإطار عمل حديث يركز على الحوكمة والتكامل الرقمي. جاء هذا الإعلان بعد نشر نظام الرقابة المالية الجديد في الجريدة الرسمية، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر شفافية ومساءلة في إدارة المال العام. يهدف النظام الجديد إلى تعزيز الكفاءة والفعالية في الرقابة المالية، وتقليل المخاطر المحتملة.
يهدف هذا التحول، الذي أعلنت عنه وزارة المالية مؤخرًا، إلى الانتقال من نموذج رقابي تقليدي يعتمد على الموافقة المسبقة على الصرف، إلى منظومة شاملة لإدارة المخاطر وتعزيز النزاهة والانضباط المالي. وستتحمل الجهات الحكومية بموجب النظام الجديد مسؤولية مباشرة عن سلامة عملياتها المالية، مما يعكس التزام المملكة بتطبيق أفضل الممارسات في مجال الإدارة المالية.
نظام الرقابة المالية الجديد: نحو رقابة متعددة الأوجه
بموجب نظام الرقابة المالية الجديد، تعتمد وزارة المالية على أربعة أساليب رقابية رئيسية. وتشمل هذه الأساليب الرقابة المباشرة، والرقابة الذاتية التي تعزز مسؤولية الجهات الحكومية، والرقابة الرقمية التي تستفيد من التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى رقابة التقارير. وستتمكن الوزارة من تحديد الأسلوب الأنسب لكل جهة، أو الجمع بين عدة أساليب، بناءً على تقييم مستوى المخاطر وكفاءة أنظمة الرقابة الداخلية لديها.
التحول من الرقابة الإجرائية إلى إدارة المخاطر
يمثل هذا التحول في أساليب الرقابة تغييرًا جوهريًا في الفلسفة المتبعة. فبدلاً من التركيز على مجرد الموافقة على الصرف، يركز النظام الجديد على تحديد وتقييم وإدارة المخاطر المالية المحتملة بشكل استباقي. هذا النهج يهدف إلى منع المخالفات قبل وقوعها، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد العامة.
دور الجهات الرقابية الأخرى
يؤكد النظام الجديد على أهمية التكامل مع الجهات الرقابية الأخرى في المملكة، مثل الديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد. يهدف هذا التكامل إلى تجنب الازدواجية في الجهود الرقابية، وتعزيز فعالية الرقابة بشكل عام. وتشمل الرقابة المالية أيضًا جوانب تتعلق بالشفافية المالية.
مقارنة بين النظام القديم والجديد
كان النظام السابق يعتمد بشكل كبير على دور “الممثل المالي” داخل كل جهة حكومية، والذي كان يتمتع بسلطة الموافقة على الصرف. كان هذا النظام يتميز بمركزية الرقابة، وقد أدى في بعض الأحيان إلى تأخير في تنفيذ المشاريع الحكومية.
في المقابل، يلغي النظام الجديد هذا الدور بشكل كامل، ويعيد توزيع المسؤوليات بين وزارة المالية والجهات الحكومية. كما يؤكد النظام الجديد على استقلالية المراقبين الماليين، وينظم دورهم وفقًا لمعايير مهنية واضحة. هذا التغيير يهدف إلى تعزيز المساءلة والشفافية في العمليات المالية الحكومية.
توسيع نطاق الرقابة ليشمل القطاع شبه الحكومي
لا يقتصر تطبيق نظام الرقابة المالية الجديد على الجهات الحكومية التقليدية، بل يمتد ليشمل أيضًا القطاع شبه الحكومي. يشمل ذلك الجهات التي تتلقى دعمًا ماليًا من الخزينة العامة، أو تنفذ أعمالًا نيابة عن الدولة، أو تقوم بتحصيل الإيرادات العامة. ستخضع هذه الجهات لرقابة التقارير، مع التركيز على الأموال والأعمال المرتبطة بالمال العام.
يهدف هذا التوسع إلى سد الفجوة الرقابية بين القطاعين العام والخاص، وضمان تطبيق معايير مماثلة من الشفافية والمساءلة على جميع الكيانات التي تتعامل مع المال العام. ومع ذلك، يراعي النظام الجديد خصوصية القطاع شبه الحكومي، ويتجنب فرض أعباء تنظيمية مفرطة قد تعيق عمله.
مسؤولية أكبر ومساءلة أوضح للجهات الحكومية
يفرض النظام الجديد مسؤولية واضحة على الجهات الخاضعة له، فيما يتعلق بصحة العمليات المالية، وكفاية أنظمة الرقابة الداخلية، والتجاوب مع ملاحظات وزارة المالية. كما يحدد النظام إطارًا واضحًا للمخالفات والإجراءات التصحيحية، ويربط التحقيق والعقوبات بالأنظمة التأديبية المعمول بها.
بالإضافة إلى ذلك، يلزم النظام الجديد وزير المالية بتقديم تقرير سنوي إلى رئيس مجلس الوزراء، يتضمن تفاصيل حول أعمال الرقابة المالية. يهدف هذا التقرير إلى تعزيز مستوى الإشراف والحوكمة على أعلى مستوى في الدولة.
من المتوقع أن يحل نظام الرقابة المالية الجديد محل نظام “الممثلين الماليين” بعد فترة انتقالية مدتها 120 يومًا من تاريخ نشره. خلال هذه الفترة، سيتم إصدار اللائحة التنفيذية والتعليمات التنظيمية اللازمة لتطبيق النظام بشكل كامل. ومن المهم متابعة تطورات هذه اللائحة والتعليمات، لفهم كيفية تطبيق النظام على مختلف الجهات الحكومية.

