يتجه النمو الاقتصادي العالمي نحو التباطؤ في العامين المقبلين، مع توقعات بتراجع معدلاته إلى 2.6% في عام 2025، وفقًا لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). ويأتي هذا في ظل تشديد الأوضاع المالية، وارتفاع تكاليف الديون، وتراجع الاستثمار العالمي. لكن، في المقابل، تشير التوقعات إلى أن منطقة غرب آسيا، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ستحقق أداءً اقتصاديًا أفضل من المتوسط العالمي، مدعومة بتوسع القطاعات غير النفطية وتحسن إنتاج النفط.

أظهر التقرير أن الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، ستشهد تباطؤًا ملحوظًا في نموها خلال العامين الجاري والمقبل. هذا التباطؤ يضع ضغوطًا إضافية على دول الجنوب، بسبب التقلبات المالية وضعف الطلب الخارجي، مما يعيق قدرتها على تحقيق التنمية المستدامة.

توقعات النمو الاقتصادي العالمي

حققت التجارة الدولية نموًا بنسبة 4% في النصف الأول من عام 2024، لكن هذا النمو كان مدفوعًا بعوامل مؤقتة مثل الاستيراد المسبق لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة والاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي. وباستبعاد هذه العوامل، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن النمو الحقيقي في التجارة يتراوح بين 2.5% و3% فقط.

ويتوقع التقرير تباطؤًا إضافيًا في وتيرة النمو مع انحسار تأثير الاستيراد المسبق وتفعيل الرسوم الجمركية بشكل كامل. ويؤكد “أونكتاد” أن استمرار التوسع في استثمارات الذكاء الاصطناعي لن يكون كافيًا لتعويض هذا التباطؤ، مما يحد من قدرة الاقتصاد العالمي على النمو بشكل كبير في العام المقبل.

التقلبات المالية وتأثيرها على الدول النامية

أظهر التقرير أن التجارة العالمية أصبحت أكثر ارتباطًا بالتقلبات المالية، حيث تعتمد أكثر من 90% من حركة التجارة على البنية التحتية المصرفية والمالية عبر الحدود. هذا يعني أن التغيرات في أسعار الفائدة، وأسواق السندات، واتجاهات المستثمرين يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على مسار التجارة العالمية.

ورصد التقرير اتساعًا ملحوظًا في تقلبات الأسواق المالية خلال عام 2024، نتيجة لتباين السياسات النقدية بين الاقتصادات الكبرى، وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل، وتشديد شروط الائتمان عالميًا. الدول النامية هي الأكثر تضررًا من هذه التطورات، خاصة تلك التي تواجه صعوبات في إعادة تمويل ديونها. فقد باتت 35 دولة من أصل 68 دولة منخفضة الدخل في حالة ضائقة مديونية أو معرضة لها بدرجة عالية.

السعودية نقطة مضيئة في النمو الاقتصادي العالمي

في المقابل، يتوقع التقرير أن تحقق المملكة العربية السعودية نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6% في عام 2025، و3.8% في عام 2026. هذه التوقعات أعلى من المتوسط العالمي، لكنها أقل من تقديرات الحكومة السعودية التي تتوقع نموًا بنسبة 4.4% في عام 2025، مدفوعًا بتوسع الأنشطة غير النفطية والاستثمارات في المشاريع الاستراتيجية.

يعزو التقرير هذا الأداء الإيجابي للسعودية إلى تحسن النشاط الاقتصادي في منطقة غرب آسيا، وزيادة إنتاج النفط المتفق عليها ضمن تحركات “أوبك+”، بالإضافة إلى “الديناميكية القوية” في القطاعات غير النفطية. ويتوقع التقرير أن يبلغ نمو اقتصادات غرب آسيا 3.1% في عام 2025 و3.7% في عام 2026.

تحديات تواجه الاقتصاد العالمي

يشير التقرير إلى أن التراجع في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة والصين سيضيف المزيد من الضغوط على دول الجنوب. فالتقلبات المالية وضعف الطلب الخارجي سيؤديان إلى تقييد الاستثمار وفرص العمل، مما يزيد من حدة تباطؤ التجارة العالمية. التجارة الدولية تواجه تحديات كبيرة تتطلب حلولًا مبتكرة.

ويخلص التقرير إلى أن معالجة هشاشة الاقتصاد العالمي تتطلب مقاربة شاملة تربط بين التجارة والتمويل والسياسات الاقتصادية الكلية. ويشمل ذلك إجراء إصلاحات في هيكل النظام المالي الدولي لتقليل التقلبات، وتعزيز الأنظمة المالية المحلية في الدول النامية لرفع قدرتها على امتصاص الصدمات.

من المتوقع أن يستمر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في مراقبة التطورات الاقتصادية العالمية عن كثب، وتقديم تقارير دورية حول التوقعات والمخاطر المحتملة. وستكون التطورات في السياسات النقدية للاقتصادات الكبرى، ومسار أسعار الفائدة، وتأثير الرسوم الجمركية على التجارة العالمية من بين العوامل الرئيسية التي يجب مراقبتها في الأشهر المقبلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version