شهد سوق دمشق للأوراق المالية انتعاشاً ملحوظاً منذ استئناف التداول في يونيو الماضي، حيث ارتفعت القيمة السوقية الإجمالية إلى 25 تريليون ليرة سورية (ما يعادل حوالي 2.25 مليار دولار أمريكي)، مسجلة نمواً بنسبة 37% وزيادة قدرها 636 مليون دولار. يعكس هذا الارتفاع عودة الثقة التدريجية إلى الأسواق المالية السورية، وفقاً لرئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية السورية، عبد الرزاق القاسم.

جاء استئناف التداول في بورصة دمشق بعد فترة توقف طويلة، شهدت تراجعاً حاداً في النشاط التجاري وتدهوراً في المؤشرات الرئيسية منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011. وتأمل الحكومة السورية أن تلعب البورصة دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني المتعثر، من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.

تطورات إيجابية في سوق الأوراق المالية السورية

تتزامن هذه المؤشرات الإيجابية مع توجهات الحكومة السورية نحو تبني اقتصاد السوق الحر وإعادة هيكلة الاقتصاد بشكل عام. وأكد القاسم أن الهيئة تعمل بالتنسيق مع وزارة المالية على تنفيذ استراتيجية شاملة لتطوير قطاع الأوراق المالية والأسواق المالية في البلاد. وتشمل هذه الاستراتيجية تحديث القوانين والأنظمة المتعلقة بالقطاع.

بلغت قيمة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية حتى الآن 311 مليار ليرة سورية، مع حجم تداول بلغ 76 مليون سهم عبر أكثر من 50 ألف صفقة. وتشير هذه الأرقام إلى زيادة ملحوظة في النشاط التجاري مقارنة بالفترات السابقة.

تحديث التشريعات وتعزيز الشمول المالي

تجري حالياً مراجعة شاملة للقوانين والأنظمة المنظمة لقطاع الأوراق المالية، بهدف مواءمتها مع المعايير الدولية وتلبية متطلبات المرحلة الحالية. ومن بين التشريعات الجديدة التي يجري العمل عليها، قانون خاص بتنويع الأدوات الاستثمارية، بهدف تعزيز الشمول المالي وتوسيع نطاق السوق المالية.

أعلنت هيئة الأوراق المالية مؤخراً عن بدء إعداد مشروع قانون لصناديق الاستثمار، بعد سنوات من الغياب والتوقف عن تداول هذا النوع من الأدوات المالية في السوق السورية. يهدف هذا القانون إلى توفير خيارات استثمارية متنوعة للمستثمرين.

صناديق الاستثمار والحوكمة

يتيح مشروع القانون الجديد تأسيس صناديق استثمارية تستثمر في قطاعات اقتصادية متنوعة، على عكس التشريعات السابقة التي كانت تقتصر على الاستثمار في الأوراق المالية فقط. كما يتيح القانون للمستثمرين الوصول إلى محافظ استثمارية كبيرة ومتنوعة من خلال توزيع الاستثمار على عدد من الأصول والشركات والقطاعات المختلفة. تعتبر صناديق الاستثمار عنصراً أساسياً في تطوير الأسواق المالية وتشجيع الاستثمار.

بالإضافة إلى ذلك، أعدت هيئة الأوراق المالية مشروعاً جديداً لنظام الحوكمة لإدارة الشركات المساهمة العامة. يهدف هذا النظام إلى تفعيل دور المساهمين في الشركات، وتعزيز الشفافية والنزاهة في السوق المالية، وتحسين البيئة الرقابية في الشركات المساهمة.

تعتبر الحوكمة الرشيدة للشركات من العوامل الهامة لجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في الأسواق المالية. وتسعى الحكومة السورية إلى تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار من خلال تطبيق معايير الحوكمة العالمية.

تتجه سوريا نحو تطوير قطاع التأمين وإصلاح حوكمة الشركات العامة، بالتوازي مع تطوير سوق الأوراق المالية، وذلك بهدف تعزيز التنافسية والاستدامة الاقتصادية، وفقاً لتصريحات وزير المالية السوري محمد يسر برنية.

من المتوقع أن تستمر الجهود الحكومية في تطوير قطاع الأوراق المالية والأسواق المالية في سوريا خلال الفترة القادمة. وتشمل الخطط المستقبلية إطلاق المزيد من الأدوات الاستثمارية الجديدة، وتسهيل إجراءات التداول، وتعزيز الشفافية والإفصاح. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه السوق السورية، بما في ذلك الوضع الاقتصادي العام والقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي. وستعتمد وتيرة التعافي والنمو في السوق على تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version