بعد مرور عقدين على السماح بتقلبات أسعار صرفه، يواجه الـيوان الصيني ضغوطاً متزايدة من السلطات لمنع ارتفاع قيمته. هذا التوجه يعكس قلقاً مماثلاً لعام 2005، عندما تم فك ارتباط العملة بالدولار بشكل مشروط، ويبرز التوازن الدقيق الذي تسعى بكين إلى تحقيقه بين تعزيز الصادرات والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
تأتي هذه التدخلات في وقت تشهد فيه الصادرات الصينية نمواً قوياً، حيث تجاوز الفائض التجاري تريليون دولار لأول مرة في عام واحد. في المقابل، تشير بعض المؤشرات الأولية إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي المحلي، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي ويجعل إدارة سعر الصرف تحدياً كبيراً.
قوة الصادرات وتحديات قيمة الـيوان الصيني
على الرغم من التوقعات بارتفاع قيمة الـيوان الصيني بنسبة تقارب 4% مقابل الدولار هذا العام، إلا أن هذه المكاسب تعتبر متواضعة بالمقارنة مع أداء عملات دول أخرى مماثلة مثل الرينغيت الماليزي والبات التايلاندي. يرجع ذلك إلى التدخل المستمر من بنك الشعب الصيني، الذي يسعى للحفاظ على تنافسية الصادرات.
يستخدم البنك المركزي أدوات متعددة للتحكم في قيمة العملة، أبرزها تحديد سعر مرجعي يومي. في الأسبوع الماضي، كان هذا السعر أضعف من المتوقع، مما يشير إلى رغبة البنك في إبقاء الـيوان الصيني ضمن نطاق معين. كما ساهمت البنوك الحكومية في هذا الاتجاه من خلال شراء الدولار لتقليل الضغط على الارتفاع.
وتشير الأرقام إلى أن حجم تداول العملات الأجنبية في الصين قد ارتفع بشكل كبير ليصل إلى 9.6 تريليون دولار يومياً، مقارنة بـ 1.9 تريليون دولار في عام 2005. هذا الحجم الكبير من التداول يجعل من الصعب على البنك المركزي التحكم الكامل في سعر الصرف، ولكنه لا يزال قادراً على التأثير فيه بشكل كبير.
التحديات الداخلية والخارجية
لا يقتصر القلق الصيني على الحفاظ على الصادرات فقط، بل يمتد ليشمل حالة الطلب المحلي. البيانات الاقتصادية المتوقعة في وقت لاحق من هذا الشهر من المرجح أن تظهر صورة أقل حيوية للاقتصاد الصيني، مما يضع ضغوطاً إضافية على الحكومة لاتخاذ إجراءات تحفيزية.
من ناحية أخرى، تواجه الصين ضغوطاً خارجية، خاصة من الولايات المتحدة، والتي اتهمت بكين في الماضي بالتلاعب بقيمة عملتها لإعطاء ميزة غير عادلة للصادرات. ومع ذلك، في الجولة الأخيرة من المحادثات التجارية، لم يكن سعر الـيوان الصيني نقطة خلاف رئيسية، مما يشير إلى انفراج نسبي في العلاقات.
يقدر مسؤولون أمريكيون سابقون أن الـيوان الصيني قد يكون مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تصل إلى 18%، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. ويرى بعض الخبراء، مثل مياو يانليانغ من شركة “تشاينا إنترناشيونال كابيتال”، أن الوقت قد حان للسماح للعملة بالارتفاع قليلاً مع توقع ضعف الدولار للفترة القادمة.
إعادة توازن الاقتصاد الصيني
يعتقد البعض أن السماح بارتفاع قيمة الـيوان الصيني قد يساعد في تحفيز الطلب المحلي وتقليل الاعتماد على الصادرات. ومع ذلك، يثير هذا الأمر مخاوف بشأن تأثيره على النمو الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الصين في جذب الاستثمارات وتعزيز الإنتاج الصناعي.
من خلال خفض تكلفة الواردات، يمكن أن تصبح السلع والخدمات أكثر جاذبية للمستهلكين الصينيين، مما قد يزيد من الإنفاق المحلي ويساهم في تنويع مصادر النمو الاقتصادي. لكن في الوقت نفسه، قد يؤدي ارتفاع قيمة الـيوان الصيني إلى زيادة تكلفة الصادرات وجعلها أقل تنافسية في الأسواق العالمية.
تشير بعض التقارير إلى أن صندوق النقد الدولي يرى أن الـيوان الصيني الضعيف يساهم في طفرة الصادرات الصينية، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم التوترات التجارية مع الدول الأخرى.
الخطوة التالية المتوقعة هي مراقبة بيانات الاقتصاد الصيني التي ستصدر في وقت لاحق من هذا الشهر. ستقدم هذه البيانات صورة أوضح عن حالة الاقتصاد المحلي وتساعد في تحديد مسار سعر الصرف في المستقبل. من المرجح أن تستمر الحكومة الصينية في اتباع نهج حذر في إدارة سعر الـيوان الصيني، مع التركيز على الحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي وتجنب أي صدمات كبيرة. كما ستراقب عن كثب التطورات في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة وتأثيرها على قيمة العملة.

