طوّر باحثون في مستشفى ليفربول البريطاني أداة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمخاطر الأحداث القلبية المستقبلية، وخاصةً الجلطات، لدى المرضى الذين يعانون من الذبحة الصدرية المستقرة. تعتمد الأداة على تحليل بيانات دقيقة حول تدفق الدم في الشرايين التاجية، مما يوفر تقييمًا أكثر تفصيلاً للمخاطر مقارنة بالطرق التقليدية. وقد تم عرض نتائج هذه الدراسة الهامة في المؤتمر الرئيسي للرابطة الأوروبية لتصوير القلب والأوعية الدموية.
تعتبر الذبحة الصدرية المستقرة حالة شائعة تتميز بألم في الصدر يحدث بشكل متوقع أثناء المجهود ويتحسن بالراحة. تحدث هذه الحالة نتيجة لضيق في الشرايين التاجية، مما يقلل من كمية الأكسجين التي تصل إلى عضلة القلب. يعد تشخيص هذه الحالة وتقييم المخاطر المرتبطة بها أمرًا بالغ الأهمية لتحديد خطة العلاج المناسبة.
أهمية قياس تدفق الدم في التنبؤ بالأحداث القلبية
وفقًا للدراسة، فإن قياس تدفق الدم في الشرايين التاجية يوفر معلومات إضافية قيمة تتجاوز مجرد تحديد وجود انسداد. فالأشعة المقطعية التاجية، وهي فحص غير جراحي شائع الاستخدام، يمكنها تحديد أماكن الانسداد، ولكنها غالبًا ما تكون محدودة في تقييم مدى تأثير هذا الانسداد على تدفق الدم الفعلي. الأداة الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تعمل على سد هذه الفجوة من خلال تحليل صور الأشعة المقطعية وتقدير الاحتياطي الجبهي للتدفق المقطعي، وهو مقياس لمدى قدرة الشرايين على زيادة تدفق الدم استجابةً للمجهود.
شارك في الدراسة ما يقرب من 8000 مريض، بمتوسط عمر 63 عامًا، حيث مثلت النساء حوالي 37.4% من المشاركين. تمت متابعة هؤلاء المرضى لمدة متوسطها 3.1 سنوات، وخلال هذه الفترة، تم تسجيل 191 حالة احتشاء عضلة القلب (النوبات القلبية)، و1573 عملية لإعادة تروية الشرايين، بالإضافة إلى 74 حالة وفاة بسبب أمراض القلب و 261 حالة وفاة لأسباب أخرى.
نتائج الدراسة وعلاقتها بمخاطر القلب
أظهرت النتائج أن هناك علاقة قوية بين انخفاض تدفق الدم في الشرايين التاجية وزيادة خطر حدوث الأحداث القلبية. فقد وجد الباحثون أن المرضى الذين يعانون من تدفق دم منخفض بالقرب من موقع الانسداد كانوا أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية بنسبة تصل إلى أربعة أضعاف مقارنة بالمرضى الذين يتمتعون بتدفق دم طبيعي. كما ارتفع خطر الوفاة بسبب النوبة القلبية إلى ثلاثة أضعاف لدى هذه الفئة من المرضى.
وبشكل أكثر تحديدًا، لوحظ أن 1.0% فقط من المرضى الذين يتمتعون بتدفق دم طبيعي أصيبوا باحتشاء عضلة القلب، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 2.0% لدى المرضى الذين يعانون من تدفق دم قريب من الانخفاض، ووصلت إلى 3.9% لدى المرضى ذوي التدفق المنخفض، وبلغت 5.2% لدى المرضى الذين يعانون من تدفق دم منخفض جدًا. هذه النتائج تؤكد أهمية تقييم تدفق الدم كعامل خطر مستقل.
الأمر اللافت للنظر هو أن هذه العلاقة بين انخفاض تدفق الدم وزيادة المخاطر استمرت حتى بعد أخذ عوامل الخطر التقليدية في الاعتبار، مثل العمر والجنس وارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع الكوليسترول. وهذا يشير إلى أن قياس تدفق الدم يمكن أن يوفر معلومات تنبؤية إضافية لا يتم التقاطها بواسطة هذه العوامل التقليدية. صحة القلب تعتمد بشكل كبير على هذا التقييم.
تأثير الذكاء الاصطناعي على تشخيص أمراض القلب
يقول جاك بيل، الباحث المشارك في الدراسة من مستشفى ليفربول للقلب والصدر، إن الفائدة التشخيصية للأشعة المقطعية التاجية معروفة، ولكن القوة التنبؤية لهذه الأداة في تحديد المرضى الأكثر عرضة لخطر الأحداث القلبية المستقبلية لم تكن مفهومة بشكل كامل من قبل. إن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة المقطعية وتقدير تدفق الدم يمثل تقدمًا كبيرًا في مجال تشخيص أمراض القلب.
تفتح هذه الأداة الجديدة الباب أمام تقييم أكثر دقة وشخصية للمخاطر القلبية، مما يسمح للأطباء بتقديم علاجات مخصصة ومكثفة للمرضى الذين يحتاجون إليها. قد يشمل ذلك تغييرات في نمط الحياة، أو أدوية جديدة، أو حتى إجراءات جراحية لإعادة تروية الشرايين. التشخيص المبكر لأمراض القلب هو مفتاح العلاج الفعال.
من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الدراسات لتقييم فعالية هذه الأداة في مجموعات مختلفة من المرضى، وتحديد أفضل طريقة لدمجها في الممارسة السريرية الروتينية. كما سيتم استكشاف إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل أنواع أخرى من صور القلب والأوعية الدموية، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، لتحسين دقة التشخيص والتنبؤ بالمخاطر. سيراقب الخبراء عن كثب التطورات في هذا المجال خلال الأشهر والسنوات القادمة.

