أظهرت دراسة علمية حديثة أن الحفاظ على كتلة عضلية أكبر وتقليل نسبة الدهون الحشوية في منطقة البطن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة دماغ أفضل ومعدلات إبطاء للشيخوخة. وقد أكد الباحثون أن هذه النتائج تفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين اللياقة البدنية والصحة العصبية، وتدعو إلى تبني استراتيجيات شاملة لتحسين الصحة العامة.
أجريت الدراسة، التي نُشرت نتائجها مؤخرًا، على عينة واسعة من الأفراد الأصحاء، وتهدف إلى تحديد العوامل الجسدية التي تؤثر على بنية الدماغ ووظيفته مع التقدم في العمر. وتأتي هذه الدراسة في ظل تزايد الاهتمام العالمي بتأثير نمط الحياة على الصحة العقلية وسبل الوقاية من الأمراض العصبية.
أهمية الكتلة العضلية والدهون الحشوية لصحة الدماغ
وفقًا للباحثين، فإن الدهون الحشوية – وهي الدهون المتراكمة داخل تجويف البطن حول الأعضاء الحيوية – تُشكل خطرًا أكبر على صحة الدماغ مقارنة بالدهون الموجودة تحت الجلد. ويرجع ذلك إلى أن الدهون الحشوية تطلق مواد التهابية يمكن أن تؤثر سلبًا على وظائف الدماغ وتسرع عملية الشيخوخة.
على النقيض من ذلك، فإن زيادة الكتلة العضلية ترتبط بتحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتعزيز إنتاج العوامل العصبية التي تدعم نمو الخلايا العصبية وحمايتها. وأشارت الدراسة إلى أن الأفراد الذين يتمتعون بلياقة بدنية أعلى وقوة عضلية أفضل يميلون إلى امتلاك أدمغة أكثر شبابًا وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات.
كيف قيس الباحثون “عمر الدماغ”؟
استخدم الباحثون تقنيات متقدمة للتصوير بالرنين المغناطيسي لتقييم بنية الدماغ وتحديد علامات الشيخوخة. وقاموا بتطوير خوارزمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الرنين المغناطيسي وتقدير “عمر الدماغ” الفعلي لكل مشارك، مقارنة بعمره الزمني. وقد أظهرت النتائج أن هناك تباينًا كبيرًا في عمر الدماغ بين الأفراد، وأن هذا التباين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتركيب أجسامهم.
وقد أظهرت التحليلات أن نسبة الدهون الحشوية إلى الكتلة العضلية كانت العامل الأهم المرتبط بارتفاع “عمر الدماغ”، حيث أن الأفراد ذوي الدهون الحشوية العالية والكتلة العضلية المنخفضة كانوا يظهرون أدمغة أكبر سنًا من أقرانهم.
الوقاية من الأمراض العصبية
يؤكد القائمون على الدراسة أن الحفاظ على صحة الدماغ ليس مجرد مسألة تحسين الذاكرة والتركيز، بل هو أيضًا استراتيجية وقائية مهمة للحد من خطر الإصابة بالأمراض العصبية مثل مرض الزهايمر والخرف.
وأوضح الدكتور سيروس راجي، المؤلف الرئيسي للدراسة، أن اكتساب العضلات وتقليل الدهون الحشوية يمكن أن يكون هدفًا واقعيًا وقابلاً للتحقيق لمعظم الناس، وأن هذه التدخلات البسيطة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على صحة الدماغ على المدى الطويل. وبينما تُركز العديد من الدراسات على دور التغذية والتمارين الرياضية في صحة القلب والأوعية الدموية، تسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية هذه العوامل أيضًا للصحة العصبية.
تُظهر النتائج أيضًا أن بعض الأدوية المستخدمة لفقدان الوزن، مثل مثبطات GLP-1، يمكن أن تؤدي إلى فقدان العضلات بالإضافة إلى فقدان الدهون. ويقترح الباحثون أنه من الضروري تطوير علاجات جديدة تستهدف الدهون الحشوية بشكل انتقائي مع الحفاظ على الكتلة العضلية.
خطوات مستقبلية وتحديات
تعتبر هذه الدراسة بمثابة خطوة مهمة نحو فهم العلاقة المعقدة بين الجسم والدماغ. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول الآليات البيولوجية التي تربط بين تركيب الجسم وصحة الدماغ.
وتوصي الدراسة بإجراء المزيد من البحوث لتحديد أفضل الطرق لتعزيز الكتلة العضلية وتقليل الدهون الحشوية، ولتقييم تأثير هذه التدخلات على وظائف الدماغ لدى مختلف الفئات العمرية والظروف الصحية. من المتوقع أن تتركز الأبحاث المستقبلية حول تطوير برامج تمارين رياضية مخصصة واستراتيجيات غذائية فعالة، بالإضافة إلى استكشاف إمكانية استخدام الأدوية والعلاجات الأخرى لتحسين صحة الدماغ.
يجب على الباحثين أيضًا التحقيق في دور العوامل الأخرى، مثل الوراثة والبيئة، في تحديد صحة الدماغ. وبشكل عام، فإن هذه الدراسة تقدم دليلًا قويًا على أن الصحة الجسدية والصحة العقلية مترابطتان بشكل وثيق، وأن الاستثمار في اللياقة البدنية يمكن أن يكون له فوائد كبيرة على المدى الطويل.

