كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون بريطانيون عن وجود ارتباط قوي بين الصرع والإعاقات الذهنية والوفيات المبكرة، مشيرةً إلى أن مجموعة من الفرص الضائعة وعدم المساواة في الرعاية الصحية تساهم في هذا الخطر المتزايد. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات الصحية قد يواجهون صعوبات في الحصول على الرعاية المناسبة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية ووفاتهم في سن أصغر.

وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 1.2 مليون شخص في إنجلترا يعانون من شكل من أشكال الإعاقة الذهنية، وأن نسبة كبيرة منهم، تتراوح بين 20 و 25%، أي ما يصل إلى 300 ألف شخص، مصابون بالصرع. هذه النسبة أعلى بكثير مقارنة بنسبة الإصابة بالصرع في عموم السكان، والتي تبلغ حوالي 1% فقط.

الصرع والإعاقات الذهنية: دراسة تكشف عن فجوات قاتلة في الرعاية

حلل الباحثون بيانات ما يقرب من 10 آلاف حالة وفاة وقعت بين عامي 2016 و 2021، مما يجعل هذه الدراسة الأكبر من نوعها على مستوى العالم والتي تركز على الوفيات المرتبطة بالصرع لدى البالغين المصابين بالإعاقات الذهنية. وقد هدفت الدراسة إلى فهم أفضل لعوامل الخطر والحماية المرتبطة بالوفاة بسبب الصرع في هذه الفئة السكانية.

وتبين أن الصرع كان السبب الرئيسي للوفاة في أكثر من 16% من الحالات التي تم تحليلها. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن متوسط العمر عند الوفاة للأشخاص الذين يعانون من الصرع والإعاقات الذهنية كان أقل بشكل ملحوظ، حيث بلغ 56 عامًا، مقارنة بـ 62 عامًا لأولئك الذين سجلت سجلاتهم الصحية أسباب وفاة أخرى.

فروقات عرقية مقلقة

أبرزت الدراسة وجود فروق كبيرة في معدلات الوفاة المرتبطة بالصرع بناءً على العرق. فقد توفي الأفراد من أصول إفريقية وآسيوية في المتوسط في سن 36 عامًا فقط، وهو أقل بكثير من نظرائهم البريطانيين البيض. ويشير هذا التفاوت إلى وجود تحديات إضافية تواجه هذه المجتمعات في الحصول على رعاية صحية متساوية وفعالة.

وبحسب الدراسة، فإن التدخلات الهامة مثل الفحوصات الصحية السنوية، والوصول إلى الرعاية متعددة التخصصات، والدعم المتخصص في الصحة النفسية وعلاج النطق واللغة، متوفرة بالفعل في النظام الصحي، ولكنها لا تُطبق بشكل موحد أو منتظم. ويؤكد الباحثون أن هذه التدخلات أثبتت فعاليتها في تحسين نوعية حياة وإطالة عمر الأشخاص الذين يعانون من الصرع والإعاقات الذهنية.

ويرى الخبراء أن ضعف جودة الرعاية والفجوات في الخدمات وعدم وجود فحوصات سنوية روتينية يمثل مشكلة كبيرة يجب معالجتها. ويجب النظر إلى هذه المشكلات على أنها غير مقبولة في سياق الرعاية الصحية الحديثة، خاصةً وأنها تؤثر على فئة من السكان شديدة الضعف.

وتدعو الدراسة إلى إعادة تصميم الخدمات الصحية بشكل منهجي بهدف منع الوفيات المرتبطة بالصرع التي يمكن تجنبها بين الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية. ويشمل ذلك تحسين الوصول إلى الرعاية المتخصصة، وتوفير خطط رعاية فردية، وزيادة الوعي بأهمية الفحوصات السنوية.

وتشير النتائج إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة الذهنية معرضون لخطر أكبر للوفاة المبكرة، وأن الأقليات العرقية في المملكة المتحدة تواجه تحديات إضافية في هذا الصدد. وتعتبر هذه الدراسة بمثابة دعوة عاجلة لاتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين الرعاية الصحية لهذه الفئة السكانية الضعيفة.

ويقول الباحثون إن ما يثير القلق بشكل خاص هو وجود استراتيجيات علاجية وداعمة فعالة، مثل العلاج النفسي وعلاج النطق واللغة، والتي يمكن أن تساعد هؤلاء الأشخاص، ولكنها لا تُستخدم بشكل روتيني ومنهجي في جميع أنحاء إنجلترا. ويؤكدون على أهمية ضمان حصول جميع الأشخاص المصابين بالصرع والإعاقة الذهنية على الرعاية التي يحتاجونها، بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو مكان إقامتهم.

عدم المساواة في الرعاية الصحية يزيد من خطر الوفاة بسبب الصرع

كشفت الدراسة عن وجود مستويات مقلقة من عدم المساواة في الرعاية الصحية التي يواجهها الأشخاص المصابون بالصرع والإعاقات الذهنية. وتظهر النتائج أنهم يموتون في سن أصغر بكثير من غيرهم، وأن الأفراد من أصول إفريقية وآسيوية معرضون بشكل خاص لخطر الوفاة المبكرة، مما يعكس وجود فجوات عميقة ومستدامة في النظام الصحي.

وتؤكد الدراسة أن هذه الوفيات يمكن الوقاية منها من خلال توفير فحوصات سنوية منتظمة، والوصول إلى الأخصائيين المناسبين، ووضع خطط رعاية فردية متكاملة. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه الخدمات غير متوفرة أو غير منتظمة، مما يترك الأشخاص الذين يعانون من الصرع والإعاقات الذهنية عرضة للخطر.

ويشدد الخبراء على ضرورة أن تتخذ المؤسسات الصحية إجراءات عاجلة لتقديم رعاية استباقية ومنسقة وعادلة لجميع المرضى. ويجب أن تضمن هذه الرعاية أن يعيش كل شخص مصاب بالصرع والإعاقة الذهنية حياة أطول وأكثر صحة.

وتوفر نتائج هذه الدراسة أساسًا علميًا قويًا لدعم دعوات الإصلاح في مجال الرعاية الصحية. ويشير الباحثون إلى أن تحسين الوصول إلى الرعاية متعددة التخصصات والفحوصات السنوية وخطط الرعاية الفردية يمكن أن يقلل بشكل كبير من الوفيات المبكرة المرتبطة بالصرع لدى الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، وخاصة بين الأقليات العرقية الأكثر عرضة للخطر.

ومن المتوقع أن يتم تقديم هذه النتائج إلى وزارة الصحة البريطانية لمناقشة سبل تحسين الرعاية الصحية للأشخاص الذين يعانون من الصرع والإعاقات الذهنية. كما يرى الخبراء أن التوعية المجتمعية والضغط على صانعي السياسات ضروريان لضمان تطبيق هذه التوصيات بشكل شامل وموحد عبر جميع مناطق المملكة المتحدة. وستراقب الجهات المعنية عن كثب التطورات المستقبلية لتقييم مدى تأثير هذه التوصيات على صحة ورفاهية هذه الفئة السكانية الهامة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version