أظهرت دراسة علمية حديثة أن ممارسة التمارين الهوائية بانتظام قد تكون مفتاحًا للحفاظ على الرشاقة والحركة الجيدة مع التقدم في العمر. ووفقًا للباحثين، فإن زيادة إفراز المواد الكيميائية في الدماغ، مثل الدوبامين، التي تحدث نتيجة للركض أو المشي السريع، يمكن أن تعزز التنسيق والسرعة لدى الأفراد من مختلف الأعمار.
نُشرت نتائج الدراسة في دورية npj Parkinson Disease، واستهدفت فئرانًا في منتصف العمر، وكشفت أن النشاط البدني المنتظم يمكن أن يستعيد بعضًا من القدرة الحركية التي غالبًا ما تتدهور مع التقدم في السن، سواء لدى البشر أو الحيوانات. وقد أثارت هذه النتائج اهتمامًا متزايدًا بدور النشاط البدني في الحفاظ على صحة الجهاز العصبي.
تأثير التمارين الهوائية على إفراز الدوبامين
ركزت الدراسة على فهم الآليات التي من خلالها تساهم التمارين الهوائية في زيادة إفراز الدوبامين، وهي مادة كيميائية حيوية في الدماغ تلعب دورًا هامًا في التحكم في الحركة، والشعور بالمكافأة، والذاكرة. وقد استند الباحثون في عملهم إلى دراسات سابقة أظهرت أن الفئران الصغيرة التي تمارس الجري الطوعي تشهد زيادة في إفراز الدوبامين.
ولكن، ما هو الجديد في هذه الدراسة هو أنها وسعت نطاق البحث ليشمل الفئران في منتصف العمر، وهو ما يعادل تقريبًا عمر الإنسان في الخمسينيات من العمر. وقد أظهرت النتائج أن هذه الفئران شهدت نفس الزيادة في مستوى الدوبامين، أو حتى زيادة أكبر، مقارنة بالفئران الصغيرة.
علاوة على ذلك، تمكنت الفئران متوسطة العمر التي مارست الجري من إظهار أداء حركي أفضل بكثير، حيث كانت قادرة على النزول من عمود أو التحرك في ساحة مفتوحة بسرعة ورشاقة أكبر من الفئران التي لم تتح لها فرصة ممارسة الرياضة.
من الجدير بالذكر أن قوة قبضة الفئران لم تتأثر بشكل كبير بممارسة الرياضة، مما يشير إلى أن التحسن في الأداء الحركي كان نتيجة لتعزيز التنسيق العصبي العضلي، وليس زيادة القوة العضلية. وهذا يفتح الباب أمام فهم أفضل لكيفية تأثير التمارين على وظائف الدماغ.
صحة الدماغ والوقاية من الأمراض العصبية
أكدت الباحثة الرئيسية في الدراسة، مارجريت رايس، أن الفوائد الإيجابية للتمارين على صحة الدماغ والقدرة الحركية لا تقتصر على الشباب. وأضافت أن ممارسة النشاط البدني بانتظام يمكن أن تعزز إفراز الدوبامين، مما يساعد على تحسين الحركة وسهولة أدائها.
وتتوافق هذه النتائج مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية التمارين الهوائية، مثل السباحة وركوب الدراجات والرقص، في تعزيز إفراز الدوبامين والمواد الكيميائية الأخرى الضرورية لصحة الدماغ. ولكن، الدراسة الحالية تقدم رؤى جديدة حول كيفية تأثير هذه الآليات في الدماغ والجسم المتقدمين في السن.
مع التقدم في العمر، تبدأ الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في التراجع التدريجي، مما قد يؤدي إلى مشاكل في الحركة والتنسيق. لذلك، فإن فهم تأثير التمارين على إفراز الدوبامين يصبح أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على صحة الدماغ والوقاية من الأمراض العصبية.
تعتبر هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تربط بشكل مباشر بين زيادة إفراز الدوبامين الناتج عن التمرين وتحسين الأداء الحركي لدى الفئران المسنة من كلا الجنسين. وقد ركزت الدراسات السابقة بشكل أساسي على الذكور الصغار.
الآثار المحتملة على مرض باركنسون
ترى الباحثة رايس أن هذه النتائج قد تقدم رؤى مهمة حول تطوير علاجات محتملة لمرض باركنسون، وهو اضطراب عصبي تنكسي يتميز بتدهور الخلايا المنتجة للدوبامين. وقد لوحظ منذ فترة طويلة أن النشاط البدني يساعد المرضى في التخفيف من أعراض هذا المرض.
وتشير النتائج إلى أن التمارين قد تساعد في تحسين الذاكرة والحركة والمزاج، وهي كلها وظائف تتأثر لدى المصابين بمرض باركنسون. ويخطط الفريق البحثي لتكرار هذه التجارب على فئران معدلة وراثيًا لتمثل نماذج أقرب إلى المرض.
ومع ذلك، تحذر رايس من أنه لا يمكن تأكيد تأثير إفراز الدوبامين الناتج عن التمارين على مرضى باركنسون إلا من خلال إجراء دراسات مستقبلية على البشر. وتشدد على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث قبل التوصل إلى استنتاجات نهائية بشأن إمكانات العلاج.
أظهرت الدراسة أن الفئران التي تمكنت من الوصول إلى عجلة الجري الطوعي قطعت مسافات أكبر بكثير من الفئران التي لم تتمكن من ذلك. وبشكل ملحوظ، حققت الإناث نفس الزيادة في مستوى الدوبامين وتحسين الأداء الحركي مثل الذكور، على الرغم من أنهن جَرَيْن ضعف المسافة.
يفسر الباحثون ذلك بوجود “حد كافٍ” من التمرين المطلوب لتحفيز زيادة إفراز الدوبامين. وبمجرد الوصول إلى هذا الحد، لا يؤدي التمرين الإضافي إلى زيادة أكبر في إفراز الدوبامين.
بشكل عام، تؤكد هذه الدراسة على أهمية ممارسة النشاط البدني بانتظام للحفاظ على صحة الدماغ والوقاية من الأمراض العصبية، خاصة مع التقدم في العمر. وتدعم فكرة أن الحركة ليست مجرد وسيلة لتحسين اللياقة البدنية، بل هي أداة قوية لتعزيز الصحة العصبية.
من المتوقع أن يواصل الفريق البحثي دراسة هذه الآليات المعقدة، مع التركيز على تحديد الجرعة المثالية من التمارين الهوائية لتحقيق أقصى فائدة للدماغ والجهاز الحركي. كما سيتم إجراء المزيد من الدراسات على البشر لتقييم مدى إمكانية تطبيق هذه النتائج في تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية للأمراض العصبية مثل باركنسون.

