أظهرت دراسة حديثة أن استهلاك القهوة بانتظام، وبالتحديد من ثلاثة إلى أربعة أكواب يوميًا، قد يبطئ عملية الشيخوخة البيولوجية، خاصةً لدى الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية حادة. وقد أثارت هذه النتائج اهتمامًا متزايدًا بفوائد القهوة الصحية المحتملة، بالإضافة إلى تأثيرها المعروف على تحسين المزاج واليقظة. وتأتي هذه الدراسة لتضيف إلى مجموعة متنامية من الأبحاث التي تربط بين عادات نمط الحياة والصحة على المستوى الخلوي.
القهوة والشيخوخة البيولوجية: ما الذي كشفته الدراسة؟
تركز الدراسة، التي نشرت في مجلة BMJ Mental Health، على قياس الشيخوخة البيولوجية، وهي تختلف عن العمر الزمني. فالشيخوخة البيولوجية تقيس حالة الخلايا والأعضاء، وتتأثر بعوامل مثل الوراثة ونمط الحياة والبيئة والنظام الغذائي. وقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يشربون القهوة بانتظام يظهرون علامات شيخوخة بيولوجية أبطأ مقارنة بأولئك الذين لا يشربونها.
شملت الدراسة أكثر من 400 شخص نرويجي بالغ يعانون من الفصام والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب الشديد المصحوب بالذهان. تم تقسيم المشاركين إلى أربع مجموعات بناءً على كمية القهوة التي يتناولونها يوميًا. وقد أظهرت التحاليل أن أولئك الذين شربوا من ثلاثة إلى أربعة أكواب من القهوة يوميًا أظهروا تحسنًا في طول التيلوميرات، وهي النهايات الواقية للكروموسومات التي تقصر مع التقدم في العمر.
تأثير القهوة على طول التيلوميرات
تعتبر التيلوميرات مؤشرًا مهمًا على الشيخوخة البيولوجية. فكلما قصرت التيلوميرات، زادت احتمالية حدوث تلف في الحمض النووي، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة. وقد لاحظ الباحثون أن قصر التيلوميرات يحدث بشكل أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية حادة.
بالمقارنة مع غير شاربي القهوة، اكتسب أولئك الذين تناولوا ثلاثة أو أربعة أكواب يوميًا ما يعادل خمس سنوات إضافية من حيث الشيخوخة البيولوجية الأبطأ. في المقابل، لم يظهر أولئك الذين شربوا أكثر من خمسة أكواب يوميًا أي تأثير إيجابي إضافي على طول التيلوميرات أو الشيخوخة البيولوجية.
آليات عمل القهوة في إبطاء الشيخوخة
يعتقد الباحثون أن القهوة قد تبطئ الشيخوخة البيولوجية من خلال تقليل الإجهاد التأكسدي، وهو اختلال التوازن بين مضادات الأكسدة والجذور الحرة التي يمكن أن تلحق الضرر بالخلايا والحمض النووي. القهوة غنية بمضادات الأكسدة والمركبات المضادة للالتهابات، والتي يمكن أن تساعد في حماية الخلايا من التلف.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية حادة يميلون إلى عمر أقصر، يصل إلى 15 عامًا أقل من نظرائهم الأصحاء. وقد يكون لقدرة القهوة على تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهابات دور في سد هذه الفجوة الصحية.
تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة في فهم العلاقة بين القهوة والصحة، ولكنها لا تقدم إجابات نهائية. فمن المهم ملاحظة أن الدراسة كانت قائمة على الملاحظة، مما يعني أنها لا تستطيع إثبات علاقة سببية بشكل قاطع. قد تكون هناك عوامل أخرى، مثل النظام الغذائي وممارسة الرياضة والوراثة، تساهم أيضًا في عملية الشيخوخة البيولوجية.
يركز الباحثون الآن على دراسات إضافية لتحديد آليات عمل القهوة بشكل أكثر دقة وفهم كيفية تطبيق هذه النتائج على نطاق أوسع من السكان. كما يخططون للتحقيق في تأثير أنواع مختلفة من القهوة ومستويات الكافيين المختلفة على الشيخوخة البيولوجية.
في الختام، بينما تشير النتائج الأولية إلى أن استهلاك القهوة المعتدل قد يكون له فوائد صحية فيما يتعلق بالشيخوخة البيولوجية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج وتحديد الجرعة المثالية والآثار طويلة المدى. من المهم دائمًا استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات كبيرة في نظامك الغذائي أو نمط حياتك.

