في عالم السياسة الصاخب، تتصدر اخبار اسرائيل اليوم العناوين كل يوم، لكنها ليست مجرد أخبار عابرة، بل انعكاس لصراع مستمر بين القوة، الغرور، والخيارات المصيرية. إسرائيل، الدولة التي أُنشئت على وعود دولية ودعم خارجي، تبدو اليوم كأنها تسير على حبل مشدود بين سيطرتها الداخلية وحاجتها المستمرة لدعم عالمي، بينما يلوح في الأفق سؤال مؤرق: هل ستظل كما هي غدًا؟

حل الدولتين بين الواقع والخيال

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يخفِ موقفه الصارم: الوصول إلى حل الدولتين قد يستغرق أجيالاً، وكأن الأمر مسابقة ماراثون سياسية لا يعرف نهايتها. وفي مقابلته مع قناة CBS، شدد على ضرورة أن تبقى سلطة السيادة الأمنية بيد إسرائيل، محذرًا من أن أي تخلي عن هذه السيطرة قد يؤدي إلى سيطرة المتشددين، بل وربما إيران، وكأن كل شيء ممكن أن يتحول فجأة إلى فيلم هوليوودي مليء بالمفاجآت.

من وجهة نظر نتنياهو، السلام المستدام ممكن فقط إذا توقف الفلسطينيون عن تعليم أطفالهم تدمير إسرائيل، وهو شرط يبدو، من منظور انتقادي، بعيد المنال، أو كأننا نطلب من الأطفال أن يتعلموا السباحة في صحراء جافة. هنا يظهر التناقض الكبير: دعوات دولية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق حدود عام 1967، وبين إدارة إسرائيل التي ترفض هذه الفكرة عمليًا، مع تشديدها على سيطرتها العسكرية والأمنية وكأنها تقول: “السلام؟ ربما في نسخة مطبوعة لاحقًا!”

والأكثر مرحًا أن هذا التمسك بالمطلقات الأمنية يجعل كل مفاوضات السلام تبدو كأنها حلقة كوميدية متكررة: كلما حاول أحد أن يقترح خطوة للأمام، تأتي قوة خفية (أو مجرد سياسة داخلية متشددة) لتعيدنا إلى البداية، وكأننا نلعب لعبة لوحية لا تنتهي.

الغرور والسياسات المتشددة: هل يزعزعان مستقبل الدولة؟

إسرائيل، كما يبدو، تعتمد على غرورها السياسي ويدها الحديدية في الإدارة الداخلية. لكن التاريخ يعيد نفسه: أي دولة تتجاوز حدودها أو تتصرف بلا مراعاة لدعم شعوبها والجيران، قد تواجه تغييرات داخلية جذرية.

  • توقف الدول الكبرى عن المساعدات العسكرية والاقتصادية سيضع إسرائيل أمام اختبار حقيقي.
  • الضغوط الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تضعف المتشددين في الداخل، وتهز أركان اليمين المتطرف.
  • ظهور قيادة وسطية أو ليبرالية أكثر مرونة قد يفتح الباب لمفاوضات جدية مع الفلسطينيين، وربما تغييرات حقيقية في السياسات الإعلامية والاجتماعية.

المجتمع الدولي بين الضغط والدعم

مؤتمر نيويورك بشأن حل الدولتين، الذي شاركت فيه السعودية وفرنسا، وصدور إعلان نيويورك بدعم أغلبية الأمم المتحدة، يؤكد وجود إرادة دولية لحل الصراع. فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترفوا بدولة فلسطين، وهو تحول تاريخي يضغط على إسرائيل لتعديل سياساتها.

هنا تظهر المفارقة: دولة تعيش على دعم خارجي، لكنها تتحدى هذا الدعم بسياسات عدوانية، قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة:

  1. التكيف مع الواقع الدولي وتحقيق تسوية سلمية.
  2. الاستمرار في سياسات الانعزال والاعتماد على القوة، مع مخاطر فقدان الشرعية والدعم.

سيناريو التخلي الدولي: ماذا يحدث داخليًا؟

إذا تخلى العالم عن إسرائيل بعد تصرفاتها العدوانية، فإننا قد نشهد:

  • ضعف القوة الاقتصادية والعسكرية للمتشددين داخليًا.
  • زيادة ضغط الشعب على الحكومة لتبني سياسات أكثر اعتدالاً.
  • إعادة رسم سياسات الدولة تجاه الفلسطينيين، مع تقليل النزاعات اليومية التي تملأ الاخبار.

يمكن القول إن التخلي الدولي سيخلق إعادة تشكيل داخلي شامل، ويجعل السياسة الإسرائيلية أكثر تحكمًا بالواقع الداخلي والدولي بدل الغرور والسيطرة المطلقة.

المستقبل المحتمل

في ظل هذه التحولات، إسرائيل قد تصبح دولة مختلفة تمامًا عن اليوم، ليس فقط في علاقاتها مع الفلسطينيين، بل في شكلها الداخلي، قيادة الوسطاء قد تفرض سياسات أكثر اعتدالاً، والإعلام سيعكس هذه التحولات، ليصبح التركيز على الإصلاحات الداخلية والمفاوضات بدلاً من النزاعات الدائمة.

الخاتمة

من منظور نقدي وتحليلي، المستقبل القريب لإسرائيل ليس مضمونًا، خاصة إذا استمر الغرور الداخلي وتجاهل الضغوط الدولية. التغييرات الداخلية، الناجمة عن فقدان الدعم أو ضغط الشعب، يمكن أن تحول اخبار اسرائيل من تقارير النزاع اليومي إلى تقارير عن إصلاحات سياسية، اجتماعية، ومفاوضات سلمية جادة. إسرائيل، الدولة التي بدت منذ تأسيسها قوية ومحصنة، قد تواجه تحديات تجعلها مختلفة تمامًا عما اعتاد العالم رؤيته، وربما يكون الغد بداية مرحلة جديدة من التغيير الجوهري، ويبقى السؤال، ماذا بعد؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version