اندلعت اشتباكات دامية بين تايلاند وكمبوديا، بعد أسابيع من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ماليزيا. يهدد هذا التصعيد الهدة الهشة بين البلدين، ويضع اتفاق السلام الذي رعاه ترامب على شفا الانهيار. وقد أسفرت المواجهات، التي استمرت لليوم الثاني على التوالي، عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا ونزوح الآلاف من الجانبين.

وقعت الاشتباكات على الحدود المتنازع عليها بين البلدين، بعد فترة من الهدوء النسبي. وكانت القوات التايلاندية والكمبودية قد اشتبكت في يوليو الماضي، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 50 شخصًا ونزوح 300 ألف آخرين، قبل تدخل ترامب لترتيب وقف إطلاق النار. وتأتي هذه التطورات في وقت يثير فيه التدخل الأمريكي في النزاعات الدولية تساؤلات حول فعاليته واستدامته.

اتفاق كوالالمبور للسلام: نظرة عامة

تم التوصل إلى اتفاق كوالالمبور للسلام في مراحل متعددة، بدءًا من اتفاق مبدئي في يوليو، ثم نسخة موسعة تم التوقيع عليها في أكتوبر بحضور الرئيس ترامب. وأعلن ترامب في ذلك الوقت عن نجاحه في تحقيق وقف إطلاق النار والسلام بين البلدين، معربًا عن “تهانيه للجميع” ومؤكدًا أن إنهاء هذا الصراع “أنقذ آلاف الأرواح”.

تضمن الاتفاق نقاطًا رئيسية، بما في ذلك اتفاق البلدين على خفض التصعيد العسكري، وإزالة الأسلحة الثقيلة والألغام من المنطقة الحدودية تحت إشراف رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). بالإضافة إلى ذلك، وافق الطرفان على وقف الحرب الإعلامية عبر الإنترنت التي كانت تزيد من حدة التوتر.

ومع ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة عدة جولات من الاشتباكات المتجددة والاتهامات المتبادلة، مما ألقى بظلال من الشك على مستقبل الهدنة. وفي الشهر الماضي، أعلنت تايلاند تعليق تنفيذ الاتفاق بعد إصابة أحد جنودها في انفجار لغم.

تحليل الأسباب الكامنة وراء هشاشة الهدنة

يرى محللون أن الهدنة كانت “مفروضة” بسبب الضغوط التي مارستها إدارة ترامب، بما في ذلك التهديد بفرض رسوم جمركية. وأشار فيراك أو، مؤسس مركز “فيوتشر فورم” للبحوث في كمبوديا، إلى أن الجيش التايلاندي لم يكن سعيدًا بتدخل ترامب. وأضاف أن فرق المراقبة التابعة لآسيان لم تحصل على موارد كافية لإنفاذ الهدنة، في حين أن صعود النزعة القومية في كلا البلدين ساهم في تأجيج الصراع.

ويخشى أو من أن نشهد الآن قتالًا أطول وأعمق، قد يكون له عواقب وخيمة. وتشير التقارير إلى أن التوترات الحدودية تعود إلى نزاعات قديمة حول ملكية الأراضي والمعابد.

سجل ترامب في “إنهاء الحروب”: نظرة على تدخلاته الأخرى

لقد ادعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لعب دورًا في وقف أو حل العديد من الحروب والصراعات حول العالم، بما في ذلك النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، واتفاق بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، والتوترات بين مصر وإثيوبيا، والنزاع بين صربيا وكوسوفو.

وقد أثار هذا الادعاء جدلاً واسعًا، حيث يرى البعض أنه مبالغ فيه، بينما يعتقد آخرون أنه يستحق تقديرًا لدوره في الوساطة.

وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد أشار ترامب إلى أنه ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة، على الرغم من أن الولايات المتحدة قدمت دعمًا دبلوماسيًا وعسكريًا قويًا لإسرائيل.

كما توسط ترامب في اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، لكن هذا الاتفاق جاء بعد أن شاركت الولايات المتحدة بشكل فعال في القتال من خلال توجيه ضربات إلى مواقع نووية إيرانية.

وفي مايو، أعلن ترامب عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان بعد أربعة أيام من القتال الجوي، لكن الهند تؤكد أن الولايات المتحدة لم تلعب أي دور في هذا الأمر.

أما فيما يتعلق بالنزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد اتهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية رواندا بانتهاك اتفاق السلام الذي توسط فيه ترامب في يونيو الماضي.

الوضع الحالي يثير مخاوف بشأن استدامة اتفاقيات السلام التي توسط فيها الرئيس ترامب، ويؤكد على أهمية معالجة الأسباب الجذرية للصراعات وتعزيز التعاون الإقليمي لضمان السلام والأمن على المدى الطويل.

من المتوقع أن تعقد آسيان اجتماعًا طارئًا في الأيام القادمة لمناقشة الوضع المتدهور على الحدود التايلاندية الكمبودية، والبحث عن سبل لإنقاذ اتفاق السلام. ومع ذلك، يبقى مستقبل الهدنة غير مؤكد، ويتوقف على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات والالتزام بتنفيذ الاتفاق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version