يشهد العالم ارتفاعًا مقلقًا في مشاعر الخوف من الأجانب، حيث تتصاعد الخطابات الشعبوية والمتطرفة ضد المهاجرين واللاجئين في العديد من الدول. لم يعد هذا التوجه مقتصرًا على الدول الغربية، بل بات يمثل أداة حكم عالمية، تتجلى في سياسات وقوانين متزايدة التقييد، وأحيانًا عنف ممنهج ضد الفئات الأكثر ضعفًا. هذه الظاهرة تهدد قيم التسامح والتعايش، وتلقي بظلالها على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
تزايد الخوف من الأجانب عالميًا: من أمريكا إلى إفريقيا
بدأت شرارة هذا التصاعد في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي استخدم خطابًا معاديًا للمهاجرين كأداة لتوحيد قاعدة أنصاره. فقد وصف المهاجرين السوماليين في ولاية مينيسوتا بأنهم “يُفسدون الولاية”، وانتقد بشدة النائبة الأمريكية من أصل صومالي، إلهان عمر. هذا الخطاب لم يكن جديدًا، لكنه اكتسب شرعية غير مسبوقة في السياسة الأمريكية السائدة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهدت الولايات المتحدة محاولات لإبطال الجنسية الأمريكية عن مسؤولين منتخبين، مثل زهران مامداني، عمدة مدينة نيويورك، قبل توليه منصبه. هذا يعكس تحولًا في التعامل مع المهاجرين، من اعتبارهم قوة عاملة محتملة إلى اعتبارهم تهديدًا للهوية الوطنية.
أوروبا: الدنمارك والمملكة المتحدة نموذجان
شهدت الدنمارك، التي طالما اعتُبرت نموذجًا للدول الرخوة، تحولًا مماثلًا نحو سياسات هجرة أكثر صرامة. يتصدر ملف الهجرة أجندة الانتخابات الوطنية المقبلة، وتتبنى الأحزاب الحاكمة خطابًا يتسم بالتشدد في التعامل مع المهاجرين واللاجئين.
في المملكة المتحدة، يبدو أن حكومة حزب العمال الحالية تسير على نفس الدرب، متأثرة بالضغوط المتزايدة من اليمين المتطرف وحزب الإصلاح. أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر عن عزمه “استعادة السيطرة على الحدود” وتقليل الهجرة بشكل كبير، بل وأرسل مسؤولين لدراسة تجربة الدنمارك في هذا المجال.
أفريقيا: العنف والتمييز المتزايد
لا يقتصر الخوف من الأجانب على الغرب، بل يتفاقم في مناطق أخرى من العالم، خاصة في أفريقيا. في ليبيا، يتعرض المهاجرون الأفارقة، الساعون للعبور إلى أوروبا، لمستويات مروعة من العنف وسوء المعاملة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل.
وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن هذه الانتهاكات تتم بدعم وتمويل من الحكومات الأوروبية، التي تسعى جاهدة لاحتواء تدفق المهاجرين إلى أراضيها. أما في تونس، فقد أدت تصريحات الرئيس قيس سعيد حول “تغيير التركيبة الديموغرافية” إلى موجة من الهجمات العرقية ضد المهاجرين الأفارقة.
في جنوب إفريقيا، يشكل الخوف من الأجانب تحديًا مستمرًا. وفقًا لمشروع “زينو ووتش”، سجلت البلاد منذ عام 1994 ما يقرب من 1300 حادثة تمييز وعنف ضد المهاجرين، تراوحت بين التهديد والاعتداء والقتل، إلى جانب تدمير الممتلكات ونهب المحال التجارية المملوكة للأجانب.
خلال جائحة كوفيد-19، تجاهلت الحكومة الجنوب أفريقية بشكل ممنهج احتياجات المجتمعات المهاجرة، واستبعدت العديد منهم من برامج المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، قامت بإنشاء سياج بطول 40 كيلومترًا على طول الحدود مع زيمبابوي لمنع دخول المصابين أو غير الشرعيين، على الرغم من أن عدد حالات الإصابة في زيمبابوي كان أقل بكثير.
تزايد الحركات المناهضة للمهاجرين
ظهرت في جنوب إفريقيا حركات مناهضة للمهاجرين بشكل صريح، مثل حركة “Put South Africans First” التي تطالب بترحيل جماعي للمهاجرين الأفارقة، واتهامهم بالتسبب في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. كما برزت مجموعة “Operation Dudula”، التي اشتهرت بفرض قيود على وصول المهاجرين إلى المستشفيات والعيادات، ومداهمة المحلات التجارية المملوكة لأجانب.
وتشير التقارير إلى أن دولًا مثل كولومبيا وبيرو وتشيلي والإكوادور تفرض قيودًا متزايدة على تدفق المهاجرين الفنزويليين. كذلك، تواجه السلطات الهندية اتهامات بترحيل قسري للمسلمين البنغاليين إلى بنغلاديش دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
إن الاستياء من الخوف من الأجانب يرجع جزئيًا إلى سهولة استخدامه كأداة سياسية، تمكن الحكومات من إلقاء اللوم على الخارج في المشاكل الداخلية، وتجنب معالجة القضايا المعقدة مثل الفساد والإدارة السيئة والفقر. كما يساهم في تعزيز الأساطير الخاطئة حول المهاجرين، واتهامهم بنشر الأمراض أو تبني أيديولوجيات خطيرة أو تهديد الهوية الثقافية.
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي في المدى القصير والمتوسط، مع زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية في العديد من الدول. يتعين مراقبة التطورات في أوروبا، خاصة في الدنمارك والمملكة المتحدة،، بالإضافة إلى الوضع في ليبيا وتونس وجنوب إفريقيا، حيث تتزايد المخاطر التي تواجه المهاجرين واللاجئين. كما يجب متابعة ردود الفعل الدولية على هذه السياسات والممارسات، والنظر في إمكانية اتخاذ إجراءات لدعم الفئات الأكثر ضعفًا وحماية حقوقهم.

