في عالم يشهد تقلبات سياسية مستمرة، يظل مفهوم القانون العرفي حاضراً في العديد من الدول، سواء بشكل رسمي أو فعلي. فبعد مرور عام على إعلان الرئيس الكوري الجنوبي السابق، يون سوك يول، القانون العرفي في البلاد في 3 ديسمبر 2024، والذي أثار أزمة سياسية عميقة، تتجه الأنظار إلى الدول التي لا تزال تعيش تحت حكم عسكري أو قوانين طوارئ مقيدة للحريات. هذا التقرير يقدم نظرة عامة على الوضع الحالي للقانون العرفي في مناطق مختلفة من العالم، وتأثيراته على حياة المواطنين.

ما هو القانون العرفي؟

القانون العرفي هو نظام حكم استثنائي يتم فيه تفويض السلطة المدنية إلى الجيش، عادةً في حالات الحرب، أو الاضطرابات المدنية الواسعة النطاق، أو التهديد للأمن القومي. قد يشمل ذلك تعليق الحقوق الدستورية، وفرض حظر التجول، وتقييد حرية الحركة، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وتوسيع صلاحيات الاعتقال. في بعض الحالات، يتم استبدال المؤسسات المدنية بمسؤولين عسكريين بشكل مؤقت.

عادةً ما تبرر الحكومات اللجوء إلى القانون العرفي كإجراء ضروري للحفاظ على النظام والاستقرار. ومع ذلك، تحذر منظمات حقوق الإنسان من أن هذه الإجراءات غالبًا ما تُستخدم لقمع المعارضة، وتكريس السلطة في أيدي النخبة الحاكمة، وتهميش العمليات الديمقراطية.

أوكرانيا: حالة طوارئ ضمن إطار دستوري

أعلنت أوكرانيا حالة طوارئ شاملة، يمكن وصفها بالقانون العرفي، منذ 24 فبراير 2022، مع بدء الغزو الروسي واسع النطاق. ومع ذلك، على عكس التطبيق التقليدي للقانون العرفي، لا تزال أوكرانيا تحكمها إدارة مدنية. تعتبر هذه الحالة أقرب إلى “حالة الطوارئ” حيث تُفعّل الحكومات صلاحيات خاصة، مثل حظر التجمعات، وتوسيع نطاق عمل الشرطة، لكن ضمن إطار دستوري يحافظ على وجود المؤسسات المدنية، بما في ذلك البرلمان والسلطة القضائية.

ومع ذلك، منحت الحكومة الأوكرانية القوات المسلحة صلاحيات واسعة النطاق، وحظرت سفر الرجال في سن التجنيد (عادةً من 18 إلى 60 عامًا)، وقيدت الأنشطة السياسية التي تعتبر ضارة بالمجهود الحربي. تخضع وسائل الإعلام أيضًا لقيود تهدف إلى حماية الأمن القومي، بما في ذلك حظر نشر معلومات حول أنظمة الدفاع الجوي وتصوير إطلاق الصواريخ.

على الرغم من أن هذه القيود مقبولة على نطاق واسع من قبل غالبية السكان، إلا أنها أثارت تساؤلات حول المساءلة السياسية والشفافية، خاصةً في ظل الاتهامات المتزايدة بالفساد التي تواجه حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. يرى البعض أن حالة الطوارئ هذه ساهمت في القضاء على التحديات السياسية المحتملة للرئيس زيلينسكي.

ميانمار: حكم عسكري صارم

في فبراير 2021، استولى الجيش الميانماري على السلطة في انقلاب عسكري، وأطاح بالحكومة المنتخبة بقيادة أونغ سان سو تشي. ومنذ ذلك الحين، أعلن الجيش عن القانون العرفي في عشرات البلدات، خاصة في المدن الكبرى مثل يانغون وماندالاي، وفي المناطق العرقية المتضررة من النزاع. يمنح هذا الجيش القادة سلطات واسعة النطاق لاعتقال ومحاكمة وإعدام المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

أدى الحملة العسكرية ضد مقاومة الانقلاب إلى اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق. وقد وثقت تقارير عن انقطاع الإنترنت والاعتقالات الجماعية في المناطق الخاضعة للقانون العرفي. تقدر منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، عدد القتلى بأكثر من 6000 شخص واعتقال عشرات الآلاف منذ الانقلاب. يواجه السكان المحليون في هذه المناطق نقاط تفتيش وحظر تجول وتهديدًا مستمرًا بالمداهمات والهجمات الجوية.

تايلاند: حالة طوارئ مستمرة في الجنوب

لا تخضع تايلاند لقانون عرفي على مستوى البلاد، لكن المناطق الجنوبية، بما في ذلك باتاني ويالا وناراثيوات، لا تزال تخضع لقوانين أمنية وطوارئ طويلة الأمد تمنح الجيش صلاحيات موسعة، مماثلة لصلاحيات القانون العرفي. تهدف هذه الإجراءات إلى مكافحة التمرد المسلح المستمر في المنطقة. تشمل هذه الإجراءات عمليات التفتيش المفاجئة، وصلاحيات الاعتقال الواسعة، والوجود العسكري المكثف.

في يوليو 2025، أعلنت تايلاند أيضًا القانون العرفي في مقاطعات الحدود في تشانتابوري وترات وسا كايو في أعقاب اشتباكات مع كمبوديا. يهدف هذا الإعلان إلى الحفاظ على “السيادة الوطنية وسلامة الأراضي وحياة وممتلكات المواطنين التايلانديين”.

بوركينا فاسو وغينيا: انقلابات عسكرية وتقييد للحريات

تخضع بوركينا فاسو للحكم العسكري منذ الانقلابين اللذين شهدهما عام 2022. على الرغم من عدم إعلان القانون العرفي على نطاق واسع، إلا أن القادة العسكريين يمارسون السيطرة الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع فرض قيود على الأحزاب السياسية وحظر التجول المتكرر خلال العمليات الأمنية. يزعم الجيش أن توليه السلطة كان ضروريًا لاستعادة الاستقرار في ظل تصاعد الهجمات من الجماعات المسلحة المختلفة.

في غينيا، استولى الجيش على السلطة في سبتمبر 2021، معلقًا الدستور وحل البرلمان. على الرغم من أن القانون العرفي غير مفعل رسميًا، إلا أن الحكومة العسكرية تحكم بموجب مراسيم، وقد تم حظر المظاهرات بشكل متكرر، واتُهمت قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين المطالبين بعودة الحكم المدني.

غينيا بيساو: انقلاب حديث يهدد الاستقرار

في أواخر نوفمبر 2025، شهدت غينيا بيساو انقلابًا عسكريًا عندما استولى جنود على لجنة الانتخابات عشية موعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية. تم تدمير أوراق الاقتراع وسجلات التصويت وبيانات الخوادم، مما جعل من المستحيل تأكيد النتائج. قام الجيش بعد ذلك بتعيين الجنرال هورتا إنتا-أ كقائد مؤقت، وحل السلطات المدنية، وفرض حظر التجول وحظر الاحتجاجات والإضرابات.

يواجه القادة العسكريون الجدد في غينيا بيساو ضغوطًا متزايدة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لاستعادة الحكم الدستوري وإعادة العملية الانتخابية.

هل هناك دول أخرى تتجه نحو القانون العرفي؟

بالإضافة إلى الحالات المذكورة أعلاه، تشير التقارير إلى أن دولًا أخرى، مثل بنغلاديش ونيبال، تعتمد بشكل كبير على الجيش بعد الإطاحة بقياداتها المدنية، مما يثير مخاوف بشأن تآكل الديمقراطية. من المتوقع إجراء انتخابات في بنغلاديش في فبراير، بينما لا يزال الوضع السياسي في نيبال غير مستقر.

في الختام، يظل القانون العرفي قضية حساسة ومثيرة للجدل في العديد من المناطق حول العالم. تعتمد التطورات المستقبلية على السياقات السياسية والأمنية المحددة لكل دولة، ومدى استعداد الحكومات والمؤسسات العسكرية لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. سيكون من المهم مراقبة الوضع في غينيا بيساو وبوركينا فاسو وميانمار عن كثب، بالإضافة إلى التطورات في بنغلاديش ونيبال، لتقييم ما إذا كانت هذه الدول ستشهد مزيدًا من الانزلاق نحو الحكم العسكري أو الانتقال نحو الديمقراطية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version