أعلنت السلطات العسكرية في غينيا بيساو عن تعيين وزير المالية السابق، إيليديو فييرا تي، رئيسًا للوزراء في خطوة تهدف إلى ترسيخ السلطة، وذلك بعد أيام من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أومارو سيسوكو إمبالو. وقد لاقى هذا الانقلاب إدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي والإقليمي. وتأتي هذه التطورات في ظل حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي في البلاد، مع تعليق العمل بالمؤسسات الديمقراطية وتجميد التعاون مع المنظمات الإقليمية.

الجنرال هورتا إنتا-آ، الذي تولى منصب الرئيس الانتقالي يوم الخميس، أعلن عن التعيين في مرسوم رسمي، مؤكدًا على أهمية التعاون بين الحكومة العسكرية الجديدة ورئيس الوزراء المُعيّن. ويأتي اختيار فييرا تي، الذي كان مقربًا من إمبالو وعمل كمدير حملته الانتخابية، مفاجئًا للبعض بالنظر إلى الاتهامات الموجهة لإمبالو بتدبير الانقلاب.

الوضع في غينيا بيساو بعد الانقلاب العسكري

يأتي هذا الإعلان بعد أيام من سيطرة الجيش على السلطة، وذلك عشية الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها إمبالو مع خصمه الرئيسي، فرناندو دياس. وقد أعلن كلا المرشحين عن فوزهما قبل إعلان النتائج الرسمية، مما زاد من حدة التوتر السياسي في البلاد.

وقد أدلى فرناندو دياس بتصريح لوسائل الإعلام، أكد فيه أنه يعتقد أنه فاز على إمبالو في الانتخابات، واتهمه بتدبير الانقلاب لمنعه من تولى المنصب. أما الرئيس النيجيري السابق، جودلاك جوناثان، الذي كان يراقب الانتخابات بصفتة رئيس بعثة مراقبة من غرب أفريقيا، فقد اتهم إمبالو بتدبير “انقلاب احتفالي” للبقاء في السلطة.

ردود الفعل الدولية والإقليمية

أثار الانقلاب العسكري موجة من الإدانات من قبل القادة الإقليميين والدوليين. فقد أعلنت الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية غينيا بيساو “بأثر فوري”، في حين جمدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) مشاركة غينيا بيساو في جميع الهيئات لصنع القرار. كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن إدانته “الانتهاك غير المقبول للمبادئ الديمقراطية”.

وشدد رئيس الوزراء السنغالي، أوسمان سونكو، على ضرورة استمرار العملية الانتخابية، واصفًا الانقلاب بأنه “خدعة”. وتشكل هذه الردود مؤشرًا على القلق المتزايد بشأن الاستقرار السياسي في المنطقة، وتأثير ذلك على جهود التنمية والأمن.

الوضع الحقوقي و عودة الهدوء

أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فولكر تورك، عن قلقه إزاء تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في غينيا بيساو، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية لعشرات الأشخاص، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون والقضاة وسياسيو المعارضة، وغالبًا ما تُعقد هذه الاعتقالات دون إفشاء مكان الاحتجاز. و دعا تورك إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين وإعادة الشرعية الدستورية.

في مقابل ذلك، شهدت العاصمة بيساو عودة الهدوء يوم الجمعة بعد رفع الحظر الليلي الذي فرضته السلطات العسكرية إثر الانقلاب. وعادت الحياة إلى طبيعتها إلى حد كبير، حيث استأنف الناس نشاطاتهم اليومية، واستأنفت الأسواق والبنوك عملها. وقال بوباكار إمبالو، بائع متجول يبلغ من العمر 25 عامًا، “استأنفت عملي لأنه إذا بقيت في المنزل، لن يكون لدي ما آكله”.

تعتبر غينيا بيساو من بين الدول الأفريقية التي شهدت عدة انقلابات عسكرية منذ استقلالها عن البرتغال عام 1974، مما يعكس هشاشة المؤسسات الديمقراطية والتحديات السياسية المستمرة. و هذه الأزمة في غينيا بيساو تضاف إلى سلسلة من الأزمات الأمنية و السياسية التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا، و التي تتطلب تدخلًا إقليميًا و دوليًا لإيجاد حلول مستدامة.

من المتوقع أن تستمر المشاورات بين السلطات العسكرية والأطراف السياسية المعنية، بهدف تحديد جدول زمني واضح لإعادة الغينيا بيساو إلى النظام الدستوري. ومع ذلك، تظل هذه العملية محفوفة بالتحديات، نظرًا للانقسامات السياسية العميقة والانعدام الثقة بين مختلف الفاعلين. ويتطلب الوضع مراقبة دقيقة لتطورات الأحداث، وتقييمًا مستمرًا للمخاطر والفرص المتاحة لتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد. و يبقى دور إيكواس والأمم المتحدة حاسمًا في الضغط من أجل عودة الشرعية الدستورية واحترام حقوق الإنسان في غينيا بيساو.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version