من المقرر أن تستمع المحكمة الدولية في لاهاي إلى حجج علنية في قضية تاريخية تتهم ميانمار بارتكاب إبادة جماعية بحق أقلية الروهينجا المسلمة، وذلك في الشهر المقبل. تأتي هذه الإجراءات في وقت يراقب فيه المجتمع الدولي عن كثب تأثيرها المحتمل على القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن الحرب في غزة، حيث تعتبر هذه أول قضية إبادة جماعية تُعرض على المحكمة للنظر في أدلتها منذ أكثر من عقد.

ستبدأ الجولة الأولى من الجلسات بمرافعة من جانب جامبيا، الدولة الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة التي رفعت الدعوى أمام المحكمة الدولية، وذلك في الفترة من 12 إلى 15 يناير. تدعم منظمة التعاون الإسلامي جامبيا في هذه القضية. وستتاح لميانمار، التي تنفي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، فرصة تقديم حججها أمام المحكمة في الفترة من 16 إلى 20 يناير.

قضية الروهينجا أمام المحكمة الدولية: تفاصيل هامة

في خطوة غير اعتيادية، خصصت المحكمة الدولية ثلاثة أيام للاستماع إلى شهود من مجتمع الروهينجا. وستعقد هذه الجلسات بعيدًا عن أعين الجمهور ووسائل الإعلام. وأوضحت المحكمة في بيان لها أن الجلسات ستتناول جوهر القضية وستشمل فحص الشهود وخبير معيّن من قبل الأطراف.

رفعت جامبيا هذه القضية إلى أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة في عام 2019، متهمة سلطات ميانمار بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها خلال حملة قمع وحشية نفذها الجيش الميانماري والميليشيات البوذية ضد الروهينجا في عام 2017. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 742 ألف من الروهينجا فروا من العنف.

وقد وردت تقارير من شهود عيان عن عمليات قتل واغتصاب وحرق قرى بأكملها. نتيجة لذلك، أمرت المحكمة الدولية ميانمار في عام 2020 باتخاذ “جميع التدابير الممكنة” لمنع وقوع إبادة جماعية.

الخلفية التاريخية لأزمة الروهينجا

يعيش حوالي مليون من الروهينجا في ميانمار قبل عام 2017، ممثلين نسبة صغيرة من إجمالي عدد السكان البالغ 55 مليون نسمة. ومع تصاعد حملة التطهير العرقي، فرت مجتمعات بأكملها إلى بنغلاديش المجاورة. يواجه هؤلاء اللاجئون أوضاعًا معيشية صعبة للغاية في مخيم كوكسبازار، أكبر مخيم للاجئين في العالم.

بينما تضغط بنغلاديش على الحكومات الأخرى للمشاركة في عبء استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، يواجه الكثيرون ظروفًا قاسية في المخيمات لسنوات، ويضطر آخرون لخوض رحلات محفوفة بالمخاطر بحرًا للوصول إلى بلدان أخرى.

الوضع في ولاية راخين، حيث يستمر العنف المسلح ضد الروهينجا، ما زال متأزمًا. صرحت واي واي نو، المديرة التنفيذية لشبكة السلام النسائي في ميانمار، في سبتمبر الماضي أن عدد الدول التي تدخلت لدعم قضية جامبيا أمام المحكمة الدولية هو “أمر قوي للغاية”. وأضافت أن هذه الدول يمكن أن تتحد لإنهاء الانتهاكات المستمرة في راخين، مشيرة إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكنه أيضًا اتخاذ إجراءات دون انتظار قرار المحكمة الدولية.

تداعيات محتملة على قضية غزة

تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ظل الدعوى المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. يعتقد العديد من المراقبين أن الإجراءات والقرارات المتخذة في قضية الروهينجا قد تشكل سوابق قانونية تؤثر على سير القضية الفلسطينية.

تعتبر هذه القضية اختبارًا لقدرة المحكمة الدولية على التعامل مع قضايا الإبادة الجماعية المعقدة والحساسة، وتطبيق القانون الدولي على الدول المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان بشكل صارخ.

من جهته، أعرب وزير العدل الجامبي، داودا جالو، خلال اجتماع خاص رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، عن أمله في صدور حكم من المحكمة “بعد فترة وجيزة” من الجلسات العلنية في يناير. وأضاف أن جامبيا ستقدم حججها لإثبات مسؤولية ميانمار عن إبادة الروهينجا ووجوب تقديم تعويضات للضحايا.

من المتوقع أن تستمر القضية لفترة طويلة، وقد لا يتم التوصل إلى حكم نهائي قبل عدة سنوات. ومع ذلك، فإن الجلسات العلنية المقبلة في يناير تمثل خطوة حاسمة في سعي الروهينجا لتحقيق العدالة، وتثير تساؤلات مهمة حول تطبيق القانون الدولي في حالات النزاعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version