أثار مقتل الشاب السوري يوسف اللباد، عقب اعتقاله من داخل الجامع الأموي في العاصمة دمشق، موجة غضب وجدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل تضارب الروايات بشأن ملابسات وفاته.

ووفق وسائل إعلام سورية، اعتقل اللباد بعد مشادة كلامية مع عناصر الأمن العام رفض خلالها مغادرة المسجد، قبل أن ينقل إلى سجن الحميدية التابع للأمن الداخلي، حيث فارق الحياة بظروف غامضة، وتم تسليم جثمانه لذويه وهي تحمل آثار تعذيب واضحة.

واتهمت عائلة الشاب يوسف، السلطات السورية بقتله تحت التعذيب، بعد اعتقاله من قبل دورية تابعة لقوى الأمن الداخلي الاثنين الماضي، عقب رفضه الخروج من المسجد الأموي، حيث انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة اعتقاله حيا، من دون أن يبدي أي سلوك عدائي، ما دفع نشطاء للتشكيك بالرواية الرسمية التي تحدثت عن “إيذاء النفس”.

وكان اللباد قد انشق عن جيش النظام السوري مع اندلاع الثورة عام 2011، وانضم إلى الجيش السوري الحر، قبل أن يغادر البلاد ويستقر في ألمانيا مع عائلته، ليقرر العودة قبل يومين من مقتله.

في المقابل، أصدر قائد قوى الأمن الداخلي في دمشق، العميد أسامة عاتكة، بيانا قال فيه إن اللباد دخل المسجد الأموي وهو في “حالة نفسية غير مستقرة”، وتلفظ بـ”عبارات غير مفهومة” وثقتها كاميرات المراقبة داخل المسجد.

وأضاف أن “عناصر حماية المسجد تدخلوا لتهدئته، ومنعه من إيذاء نفسه أو المصلين، وتم نقله إلى غرفة الحراسة ضمن الحرم الأمني للجامع، وهناك أقدم على إيذاء نفسه من خلال ضرب رأسه بأجسام صلبة، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة”.

وأضاف العميد عاتكة أنه “تم الاتصال بالإسعاف فورا، لكن الشاب فارق الحياة رغم محاولات إنقاذه”، مشيرا إلى أن الجهات المختصة باشرت تحقيقا شاملا وشفافا لتحديد كافة ملابسات الحادثة، مؤكدا أن الوزارة ستعلن عن النتائج فور توفرها.

لكن هذه الرواية لم تقنع كثيرين، بل قوبلت بموجة رفض وغضب عارم على مواقع التواصل، حيث اعتبر ناشطون ما جرى “جريمة قتل تحت التعذيب”، تضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات بحق العائدين إلى سوريا، رغم الحملات الرسمية التي تروج لـ”العودة الآمنة”.

واتهم مغردون السلطات بمحاولة “التستر على جريمة قتل واضحة”، من خلال الزعم بأنه أقدم على “إيذاء نفسه” داخل مركز الاحتجاز. ورأى آخرون أنه “ربما لم يكن يوسف متزنا في لحظة ما، لكنه أصبح -منذ اعتقاله- في عهدة الدولة، التي تقع عليها مسؤولية حمايته حتى من نفسه”، متسائلين: “من الذي فقد توازنه حقا؟ يوسف؟ أم المنظومة التي عجزت عن حفظ حياته وصون إنسانيته؟”.

وكتب أحد النشطاء: “قتل يوسف اللباد مرتين، مرة في المعتقل، ومرة حين عملوه مريضا نفسيا”.

في المقابل، أكد آخرون أن اللباد لم يكن مختلا عقليا كما زعمت الجهات الرسمية، بل كان شابا تلقى تعليمه في ألمانيا وعاد إلى بلده على أمل استعادة شيء من انتمائه، لكنه قوبل بالاعتقال والتعذيب حتى الموت.

وعلق أحدهم بالقول: “أهذا هو الوطن الذي ينتظر أبناءه في المنافي والمخيمات؟”.

كما تداول نشطاء مقطعا مصورا من كاميرات المسجد، يظهر لحظة اعتقال اللباد وهو سليم، هادئ، ويمشي دون مقاومة، مؤكدين أن الفيديو لا يظهر أي تصرف عدائي أو محاولة لإيذاء النفس، ما يناقض ادعاءات وزارة الداخلية.

وأضاف النشطاء: “الفيديو واضح وضوح الشمس. الشاب كان يبدو سعيدا بعودته، وتظهر عليه علامات التدين. من يزعم أنه مختل نفسيا فليشاهد الفيديو أولا”.

واتهم آخرون السلطات بـ”اقتطاع أجزاء من الفيديو لإخفاء ما جرى بعد الاعتقال”، مطالبين بالكشف الكامل عن المشاهد، ومساءلة المسؤولين عن وفاته.

وشدد مدونون على أن مجرد وفاة اللباد داخل مركز احتجاز رسمي، يحمل الدولة المسؤولية كاملة، سواء كانت الوفاة ناتجة عن تعذيب، أو نتيجة إهمال وسوء معاملة وظروف احتجاز غير إنسانية.

وقال أحد المدونين: “ليست لدينا كل الحقائق بعد، لكن ما نعرفه أن الشاب توفي وهو في عهدة الدولة. إن ثبت تعرضه للتعذيب، فهذه جريمة لا يمكن تبريرها. وإن كانت الوفاة نتيجة إهمال، فالمسؤولية لا تزال قائمة”.

وطالب ناشطون بفتح تحقيق عاجل ومستقل، وتقديم المسؤولين عن الحادثة للمحاسبة، مشددين على أن ما حدث يعيد إلى أذهان السوريين ممارسات شبيحة النظام وأجهزته الأمنية خلال سنوات الحرب، مؤكدين أن “لا أحد يريد لسوريا أن تعود كما كانت تحت أي ظرف”.

في المقابل، دعت بعض الأصوات إلى التحلي بالهدوء وانتظار نتائج التحقيق الرسمي قبل إصدار الأحكام، مع التأكيد على ضرورة كشف الحقيقة كاملة، ومحاسبة المسؤولين أيا كانت مناصبهم، حفاظا على ما تبقى من ثقة بين الناس ومؤسسات الدولة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version