تواجه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أزمة تمويلية حادة تهدد قدرتها على العمل بفعالية في جميع أنحاء العالم، مما يعيق جهودها في مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم المساعدة اللازمة للضحايا. وقد حذر المفوض السامي فولكر تورك من أن هذه الأزمة أجبرت المكتب بالفعل على تقليل عدد موظفيه وتأجيل العديد من المهام الهامة، في وقت يشهد العالم فيه تصاعدًا في الأزمات الإنسانية وانتهاكات الحقوق.
أعلن تورك يوم الأربعاء أن المفوضية تعاني من نقص في التمويل قدره 90 مليون دولار أمريكي لهذا العام، مما أدى إلى فقدان 300 وظيفة حتى الآن. ويأتي هذا النقص في التمويل في ظل تزايد الاحتياجات المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان في مناطق النزاع والكوارث، بالإضافة إلى التحديات المستمرة في مجال المساواة والعدالة.
تراجع الدعم الدولي لحقوق الإنسان
يعزى هذا التراجع في التمويل إلى عدة عوامل، بما في ذلك إعادة توجيه أولويات الإنفاق لدى بعض الدول المانحة نحو الدفاع والاحتياجات الداخلية. وقد قلصت دول مثل بريطانيا وهولندا والسويد مساهماتها في الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الولايات المتحدة أيضًا تخفيضًا في الدعم المالي للمنظمات الدولية، وذلك بعد تساؤلات متكررة حول دور الأمم المتحدة وسحب الدعم من بعض وكالاتها.
هذا التحول في أولويات الدول المانحة يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل العمل الإنساني وحقوق الإنسان على مستوى العالم. ففي الوقت الذي تتزايد فيه الأزمات الإنسانية والانتهاكات، يصبح الدعم المالي ضروريًا لتمكين المنظمات الدولية من الاستجابة لهذه التحديات بفعالية.
تأثير الأزمة على العمل الميداني
أوضح تورك أن النقص في التمويل قد أجبر المفوضية على تقليل عدد الزيارات التي يقوم بها خبراء الأمم المتحدة إلى مختلف الدول. كما تم تأجيل العديد من مهام التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تقليل عدد المراجعات التي تجريها المفوضية لتقييم التزام الدول بمعاهدات حقوق الإنسان الدولية. ونتيجة لذلك، انخفض عدد المراجعات من 145 في السابق إلى 103 هذا العام.
هذه القيود على العمل الميداني لها آثار سلبية واسعة النطاق على الجهود الدولية والوطنية لحماية حقوق الإنسان. فبدون المراقبة والتحقيق الفعالين، يصبح من الصعب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتقديم المساعدة للضحايا.
أزمة تمويلية أوسع نطاقًا للأمم المتحدة
لا تقتصر الأزمة على مفوضية حقوق الإنسان فحسب، بل تمتد لتشمل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أيضًا. يواجه المكتب، المسؤول عن تنسيق المساعدات الإنسانية والاستجابة للأزمات، تخفيضات مماثلة في التمويل، مما يهدد قدرته على تقديم المساعدة للملايين من المحتاجين. أطلق المكتب نداءً لجمع 23 مليار دولار أمريكي لعام 2026، ولكنه يقر بأن الانخفاض الحاد في الدعم المالي سيؤدي إلى حرمان عشرات الملايين من الأشخاص من المساعدة العاجلة.
تتركز أكبر حاجة للمساعدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يبلغ المبلغ المطلوب 4 مليارات دولار أمريكي، معظمها مخصص لقطاع غزة الذي يعاني من حرب مدمرة. ويشير مسؤولون في الأمم المتحدة إلى أن هذا المبلغ لا يزال أقل بكثير من المستوى المطلوب لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
أزمات إقليمية تتطلب تمويلاً عاجلاً
بالإضافة إلى غزة، هناك حاجة ماسة للتمويل في مناطق أخرى تشهد أزمات حادة. يشمل ذلك 2 مليار دولار أمريكي للنازحين في السودان، ومليار دولار أمريكي للاجئين السودانيين الذين فروا من الصراع. كما طلبت الأمم المتحدة 1.4 مليار دولار أمريكي لدعم المجتمعات المتضررة من العنف في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأكثر من 2 مليار دولار أمريكي لتقديم الدعم الطارئ داخل سوريا، و3 مليارات دولار أمريكي للاجئين السوريين.
تعتبر هذه الأزمات الإقليمية اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي وقدرته على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة. فبدون الدعم المالي الكافي، ستواجه هذه المناطق تحديات هائلة في تحقيق الاستقرار والتعافي.
في الختام، يواجه نظام الأمم المتحدة تحديًا تمويليًا خطيرًا يهدد قدرته على حماية وتعزيز حقوق الإنسان وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين. من المتوقع أن تستمر المناقشات حول إعادة تخصيص الموارد وتحديد أولويات الإنفاق في الأشهر المقبلة، مع التركيز على إيجاد حلول مستدامة لضمان استمرار عمل المنظمات الدولية بفعالية. يجب مراقبة التطورات المتعلقة بمساهمات الدول المانحة وتأثيرها على البرامج الإنسانية وحقوق الإنسان عن كثب.

