شهدت منطقة غرب أفريقيا في السابع من ديسمبر محاولة انقلاب في بنين، مما أثار مخاوف من استمرار أزمة الانقلابات التي تشهدها المنطقة منذ عام 2020. هذه المحاولة، التي هدفت إلى الإطاحة بالرئيس باتريس تالون، أثارت حالة من عدم اليقين، لكنها انتهت بالفشل بفضل تدخل سريع من الحكومة البنينية ودعم من دول الجوار، وعلى رأسها نيجيريا، مما سلط الضوء على دور مجتمع دول غرب أفريقيا (إيكواس) في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

وبدأت الأحداث بإعلان مسلحين سيطرتهم على السلطة عبر التلفزيون الوطني، بالتزامن مع سماع إطلاق نار وتدافع المواطنين في كوتونو، العاصمة الاقتصادية لبنين. سرعان ما تضاربت الأنباء، حيث أعلن المتمردون عن “نصرهم” بينما أكدت القوات الحكومية وإدارة تالون أن المحاولة قد أجهضت. في نهاية المطاف، تمكنت الحكومة من استعادة السيطرة بالكامل، مع تأكيدها على أن تدخل نيجيريا كان حاسماً في هذا النجاح.

هل يشهد إيكواس تحولاً جديداً؟

يمثل تدخل إيكواس الناجح في بنين نقطة تحول ملحوظة للمنظمة الإقليمية، التي تعرضت لانتقادات حادة في السنوات الأخيرة بسبب عدم قدرتها على التعامل بفعالية مع سلسلة الانقلابات في المنطقة. فمنذ انقلاب مالي في عام 2020، شهدت غرب أفريقيا تسعة محاولات انقلاب أدت إلى الإطاحة بخمس حكومات ديمقراطية وحكومتين عسكريتين.

آخر هذه الانقلابات كان في غينيا بيساو في نهاية نوفمبر، حيث سيطر الجيش على محطة التلفزيون الوطنية واحتجز الرئيس المنتهية ولايته، عمر سييسوكو إمبالو. في ذلك الوقت، بدا إيكواس متردداً وغير قادر على اتخاذ إجراءات حاسمة، واقتصرت ردود فعله على البيانات الإدانة. وهذا يختلف بشكل كبير عن تدخلات المنظمة الناجحة في الماضي في سيرا ليون وليبيريا وكوت ديفوار.

لكن الوضع في بنين كان مختلفًا. وبحسب المحلل السياسي ريان كامينغز، فإن إيكواس أرادت إرسال رسالة واضحة مفادها أنها تمتلك القدرة على التدخل عندما تسمح الظروف بذلك. كانت المخاطر كبيرة، حيث كان سقوط بنين – الدولة الأكثر استقرارًا في المنطقة – بمثابة “خط أحمر” يجب تجاوزه.

ورأى المحللون أن نجاح إيكواس في بنين يعود إلى عدة عوامل، منها قرب بنين من نيجيريا، القوة الإقليمية، والأخطاء التي ارتكبها المتمردون. فقد فشل المتمردون في أسر الرئيس تالون، مما سمح له بالاستغاثة بدول الجوار على الفور. كما أنهم قللوا من شأن ولاء وحدات الجيش الأخرى للحكومة.

وفور وقوع المحاولة، استجابت دول الجوار بسرعة. قامت نيجيريا وغانا وساحل العاج وسيراليون بنشر قوات من قوات إيكواس الاحتياطية على الأرض. كما وجهت نيجيريا ضربات جوية ضد المتمردين المحاصرين في قاعدة عسكرية في كوتونو ومبنى التلفزيون الوطني. ودعم فرنسا هذه العملية من خلال تقديم معلومات استخباراتية.

حتى الآن، تم اعتقال 14 شخصًا على الأقل على خلفية محاولة الانقلاب. وقد سقط قتلى وجرحى من الجانبين، من بينهم زوجة ضابط رفيع المستوى كانت مستهدفة بالاغتيال. وتكشف التحقيقات أن قائد الانقلاب، العقيد باسكال تيغري، كان يختبئ في دولة الجوار توغو.

تحديات تواجه إيكواس

على الرغم من النجاح في بنين، لا تزال إيكواس تواجه العديد من التحديات. فقد أثارت بعض الجماعات مخاوف بشأن قيود الرئيس تالون المتزايدة على المعارضة السياسية، وحظر مشاركة قوى المعارضة في الانتخابات السابقة. وتنتقد المنظمات الحقوقية قيود تالون على الحريات المدنية والسياسية. قد تؤدي هذه الممارسات إلى تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، لا يزال هناك قلق متزايد بشأن التوترات الجيوسياسية والتنافس بين القوى الخارجية في غرب أفريقيا. فقد شهدت المنطقة تحولاً في التحالفات، حيث انضمت دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى تحالف جديد يسمى “تحالف دول الساحل”، والذي يميل إلى روسيا بشكل أكبر.

يضاف إلى ذلك، أن الأزمة الأمنية المتفاقمة في المنطقة، مع انتشار الجماعات المسلحة، تمثل تحديًا كبيرًا لإيكواس. فقد شهدت نيجيريا نفسها زيادة في الهجمات من قبل الجماعات المتطرفة والمجموعات المسلحة الأخرى، وتشهد أقاليمها الشمالية صعوبات متزايدة.

وفي تصريح له، أشاد الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو بجهود قواته في استعادة النظام في بنين، مؤكداً دور نيجيريا في حماية الاستقرار الإقليمي. وقد أعرب عدد من حكام الولايات النيجيرية عن دعمهم لهذا التدخل، مشيرين إلى أنه يعزز مكانة نيجيريا كقوة إقليمية رائدة.

ومع ذلك، يشير المحللون إلى أن إيكواس يجب أن تبذل المزيد لتعزيز الديمقراطية في المنطقة، والتصدي للانتهاكات الحقوقية، وضمان نزاهة الانتخابات. يجب على المنظمة أيضًا أن تعمل على حل الخلافات الدبلوماسية وتعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

من المتوقع أن يعقد إيكواس اجتماعاً طارئاً في الأيام القادمة لمناقشة التطورات الأخيرة في بنين ووضع خطة عمل لمواجهة التحديات المستقبلية. ومن بين القضايا التي ستتم مناقشتها سبل تعزيز التعاون الأمني، وتوفير الدعم للدول الأعضاء في جهودها الديمقراطية، ومعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في المنطقة. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان إيكواس سيتمكن من الحفاظ على هذا الزخم وتجاوز العقبات التي تعيق مسيرته نحو تحقيق الاستقرار والازدهار في غرب أفريقيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version