شهدت العمليات العسكرية الأمريكية في الصومال تصعيدًا ملحوظًا منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه مرة أخرى، حيث نفذت الولايات المتحدة أكثر من 111 غارة جوية ضد الجماعات المسلحة في البلاد. يأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه الصومال تصاعدًا في العنف وترقبًا للمزيد من التدخلات الخارجية، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الغارات على الأمن الإقليمي، وعلى المدنيين الصوماليين، وعلى مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة. وتستهدف هذه الغارات بشكل رئيسي جماعة “الشباب” وحركة “داعش صومال”.
تصعيد الحملة العسكرية الأمريكية في الصومال
بدأ هذا التصعيد في فبراير الحالي، مع أول غارة جوية أمر بها ترامب في الصومال خلال فترة ولايته الثانية. وذكرت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم) أن الغارة الأخيرة، التي نفذت في 14 ديسمبر بالقرب من مدينة كيسمايو، استهدفت عناصر من حركة “الشباب”.
وقد تجاوز عدد الغارات الجوية لهذا العام إجمالي الغارات التي نفذتها إدارات جورج دبليو بوش وبراك أوباما وجو بايدن مجتمعة، مما يشير إلى تحول كبير في الاستراتيجية الأمريكية. تشير التقديرات إلى أن ترامب قد يتجاوز حتى رقمه القياسي في الولاية الأولى البالغ 219 غارة.
أهداف الغارات الجوية
تركز الحملة العسكرية المكثفة على هدفين رئيسيين: جماعة “الشباب”، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة وتقاتل الحكومة الصومالية منذ عام 2007 وتسيطر على مناطق واسعة في جنوب وسط البلاد؛ وتنظيم “داعش صومال”، وهو فصيل أصغر يتركز في الشمال الشرقي ويضم ما يقدر بنحو 1500 مقاتل. وتأتي هذه الجهود في سياق مكافحة الإرهاب في المنطقة، حيث تعتبر كلتا الجماعتين تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي.
تأتي هذه الزيادة في الغارات بعد توجيه من وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث بعكس القيود التي فرضتها إدارة بايدن، والتي كانت تتطلب موافقة البيت الأبيض على الغارات الجوية خارج مناطق الحرب المعلنة. أدى هذا التغيير إلى منح قادة أفريكوم سلطة أكبر في شن الهجمات.
وأشار ديفيد ستيرمان، المحلل السياسي البارز في مؤسسة “نيو أمريكا”، إلى وجود “إشارة طلب من البيت الأبيض للتصعيد” و “استعداد للسماح بمزيد من الاستخدامات الهجومية الواضحة للغارات مع مزيد من التدقيق والتنظيم”. ويرى ستيرمان أن هناك محركين رئيسيين وراء هذا التصعيد.
أكثر من نصف الغارات دعمت حملة أطلقتها منطقة بونتلاند الصومالية المتمتعة بحكم ذاتي ضد تنظيم “داعش صومال”، وذلك بعد تعرض قافلة عسكرية لهجوم من التنظيم في ديسمبر 2024. وبحسب تقارير، تحولت الغارات من استهداف الشخصيات القيادية العليا في التنظيم إلى عمليات مستمرة تستهدف مقاتلي التنظيم الذين تحصنوا في الكهوف الجبلية في شمال الصومال.
أما الجزء المتبقي من الغارات، فيركز على التصدي لتقدم جماعة “الشباب” ضد القوات الحكومية الصومالية في الجنوب، حيث تدعم الغارات الأمريكية الجيش الوطني الصومالي الذي واجه انتكاسات على الأرض هذا العام. وقد استخدمت الولايات المتحدة في فبراير الماضي 16 طائرة مقاتلة من طراز F/A-18 Super Hornets، وألقت 60 طنًا من الذخائر على مواقع تابعة للجماعة.
مخاوف بشأن الخسائر في صفوف المدنيين
ومع ذلك، أثار هذا التصعيد المتزايد مخاوف بشأن سقوط ضحايا مدنيين. فقد ذكرت منظمة “دروب سايت نيوز” الاستقصائية في ديسمبر أن الغارات الجوية الأمريكية والقوات الصومالية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 11 مدنيًا، بينهم سبعة أطفال، خلال عملية نفذت في 15 نوفمبر في منطقة لوبا جوبا السفلى. وأكدت أفريكوم تنفيذ غارات لدعم القوات الصومالية، لكنها لم تستجب لطلبات التعليق من “دروب سايت” بشأن وفيات المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي توقف مؤخرًا عن تقديم تقييمات للخسائر في صفوف المدنيين في إعلاناته عن الغارات الجوية. وتشير تقارير إلى أن وتيرة العمليات الحالية تتجاوز حتى الغارات التي تدعي الولايات المتحدة أنها استهدفت مكافحة المخدرات في منطقة البحر الكاريبي.
بالإضافة إلى العمليات العسكرية، أطلق الرئيس ترامب هجمات لفظية عنصرية في وقت سابق من هذا الشهر على المهاجرين الصوماليين في ولاية مينيسوتا الأمريكية، وذلك قبل استعداد السلطات الفيدرالية لشن حملة هجرة واسعة النطاق تستهدف المئات من الصوماليين غير الشرعيين في الولاية. وقد أدانت هذه التصريحات على نطاق واسع، من مقديشو إلى مينيابوليس.
في الختام، من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في دعم الحكومة الصومالية في حربها ضد الجماعات المسلحة، مع التركيز على تنظيم “الشباب” وتنظيم “داعش صومال”. ومع ذلك، يبقى مستقبل هذه الحملة العسكرية غير مؤكد، ويتوقف على التطورات السياسية والأمنية في الصومال والمنطقة، وعلى مدى قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها دون التسبب في أضرار جانبية للمدنيين. ومن الأمور التي يجب مراقبتها عن كثب: رد فعل الجماعات المسلحة، وتأثير الغارات على الوضع الإنساني في الصومال، والتحولات المحتملة في الاستراتيجية الأمريكية.

