لا تزال الحرب في أوكرانيا، منذ اندلاعها في فبراير 2022، تشكل نقطة تحول جيوسياسية كبرى، وتثير تساؤلات حول مسارات الصراع ومستقبله. وفي ظل استمرار القتال وتصاعد التوترات، يتحدث خبراء عن تحول الحرب إلى مواجهة أوسع بين روسيا وأوروبا. هذا المقال يناقش أحدث التطورات في الحرب الروسية الأوكرانية، وتحليلًا لآراء أحد أبرز المنظرين السياسيين الروس.

في مقابلة حديثة مع مجلة “المجلة”، قدم البروفيسور سيرغي كاراغانوف، المستشار السابق للرئاسة الروسية ورئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية، تقييمًا متشائمًا للوضع، معتبرًا أن موسكو تخوض “حربًا مع أوروبا على الأراضي الأوكرانية”. وأكد كاراغانوف أن استخدام الأسلحة النووية لم يتم اللجوء إليه حتى الآن، ولكنه يظل خيارًا واردًا في ظل تطورات الصراع.

تطورات الصراع وتحول تركيز الحرب

يرى كاراغانوف أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في الانسحاب من دعم أوكرانيا، بعد إدراكها أن الحرب تبدو وكأنها “حرب خاسرة” على غرار تجاربها السابقة في أفغانستان والعراق. وأشار إلى أن واشنطن باتت تعتبر الصراع “غير ضروري”، مما يفسر التراجع النسبي في المساعدات الغربية. وعلى الرغم من هذا التراجع الأمريكي، يشدد كاراغانوف على أن أوروبا لا تزال تمثل الطرف الرئيسي في مواجهة روسيا.

وفيما يتعلق بخطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قلل كاراغانوف من أهميتها، معتبرًا أن بعض بنودها غير واقعية. وأشار بشكل خاص إلى اقتراح إعادة انضمام روسيا إلى مجموعة السبع، واصفًا إياها بأنها “مكبّ للقوى القديمة” التي لم تعد تعكس الواقع السياسي والاقتصادي العالمي.

تأثير العقوبات على روسيا

على عكس التوقعات، يذهب كاراغانوف إلى أن العقوبات الأوروبية قد ساهمت بشكل غير مباشر في تعزيز الاقتصاد الروسي. وأوضح أن العقوبات دفعت إلى تنشيط الابتكار المحلي وإعادة بناء القاعدة الصناعية، مما أدى إلى تحقيق نتائج إيجابية على الرغم من الكلفة الإنسانية. ويرى أن العقوبات، بشكل عام، لم تحقق أهدافها المنشودة في إضعاف روسيا.

شروط إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية

يؤكد كاراغانوف أن الحرب لن تنتهي إلا بتحقيق روسيا لأهدافها في أوكرانيا، والتي تتمثل في استعادة السيطرة على الأراضي الواقعة في شرق وجنوب البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يشدد على ضرورة “استبعاد الأوروبيين” من أي مفاوضات سلام مستقبلية، معتبرًا أنهم يمثلون العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى حل سياسي. هذا الموقف يعكس رؤية روسية متزايدة للتركيز على المواجهة مع أوروبا بدلًا من أوكرانيا.

ويرى كاراغانوف أن الوقت يلعب لصالح الرئيس بوتين، وأن روسيا تمتلك القدرة على مواصلة القتال لفترة طويلة. ويشير إلى أن أوروبا تعاني من “جنون” و”أخطاء” متتالية، وأنها لم تتعلم من التاريخ، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سلمي. ويتوقع أن تستمر المواجهة ما لم تتغير مواقف الغرب الأوروبي.

الوضع في أوكرانيا يتفاقم باستمرار، وآخر التطورات تشير إلى تبادل القصف بين الطرفين. هذا في حين أن التوترات تتصاعد بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بحسب تقارير إعلامية.

يؤكد كاراغانوف على أن أوروبا لديها حاليًا شبكة من المشاكل من بينها اضطرابات سياسية، وانعدام الاستقرار الاقتصادي، وغياب التضامن، وأنه من المستبعد أن يتمكنوا من مواجهة تحدي الصراع لفترة طويلة. ويرى أن استمرار هذه الحرب سيؤدي حتمًا إلى تغييرات كبيرة في النظام العالمي.

وفيما يتعلق بإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، يرى كاراغانوف أن روسيا لا تتحمل أي مسؤولية عن ذلك، وأن أوروبا هي التي يجب أن تتولى هذه المهمة. ويشير إلى أن العقوبات الغربية لم تنجح في تحقيق أهدافها، بل ساهمت في تعزيز الاقتصاد الروسي وتطويره. وذكر أن روسيا ستساعد في إعادة بناء المناطق التي ستعود إليها.

ومما يثير الاهتمام، يرى كاراغانوف أن الصراع الأوكراني أبرز هشاشة العلاقة بين روسيا وأوروبا. ويشدد على أن استعادة الاستقرار في المنطقة يتطلب حوارًا جادًا يتجاوز المصالح الضيقة.

مع استمرار الحرب، يراقب المراقبون عن كثب تطورات الوضع الميداني والسياسي. يتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من التصعيد في التوترات، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. من بين المؤشرات التي يجب مراقبتها، مستوى الدعم الغربي لأوكرانيا، ومدى التزام روسيا بمواصلة القتال، وأي تحولات في موقف الطرفين حول المفاوضات المحتملة. التوصل إلى حل دبلوماسي لا يزال بعيد المنال، إلا أنه يظل الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة الأوكرانية وتجنب المزيد من الخسائر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version