رفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب دعوى قضائية ضد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بتهمة التشهير، متهمًا إياها بتزوير مقاطع من خطاباته لخلق انطباع كاذب عن دوره في أحداث اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من يناير 2021. تأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من الإجراءات القانونية يتخذها ترمب ضد وسائل إعلام يعتبرها معادية أو غير عادلة في تغطيتها له. وتعتبر هذه الدعوى القضائية تطوراً ملحوظاً في العلاقة بين ترمب ووسائل الإعلام الدولية.
ويزعم ترمب أن هيئة الإذاعة البريطانية قامت بتعديل مقاطع من خطابه، حيث جمعت بين دعوة أنصاره للتظاهر بالقرب من مبنى الكونجرس وعبارة “قاتلوا بشراسة”، مع حذف جملة كانت تحث على الاحتجاج السلمي. وادعى محاموه أن هذا التعديل أضر بسمعته وربما تكبدّه خسائر مالية كبيرة، مشيرين إلى إمكانية المطالبة بتعويضات تتراوح بين مليار وخمسة مليارات دولار.
خلفية قضية التشهير ودعاوى ترمب السابقة
تعتبر قضايا التشهير معقدة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بشخصيات عامة مثل دونالد ترمب. بموجب القانون الأمريكي، يجب على المدعي في هذه الحالات إثبات أن البيان المُضلِّل تم نشره مع علم أنه كاذب أو مع تجاهل متهور لصدقه. بالإضافة إلى ذلك، يجب إثبات أن البيان تسبب في ضرر حقيقي للمدعي.
هذه ليست المرة الأولى التي يرفع فيها ترمب دعاوى تشهير ضد وسائل الإعلام. ففي السابق، توصل إلى تسويات مالية مع شبكتي CBS و ABC بعد رفع دعاوى مماثلة ضدهما في أعقاب فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2020. كما رفع دعاوى قضائية ضد صحيفتي “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” بالإضافة إلى صحيفة في ولاية أيوا، والتي نفت جميعها ارتكاب أي مخالفات.
اعتذار الـ BBC وتداعياته
اعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية لترمب وأقرت بوجود “خطأ في التقدير” في مونتاج الفيديو. وأوضحت أن التعديل الذي أجرته أدى إلى إعطاء انطباع خاطئ بأنه وجه دعوة مباشرة إلى القيام بأعمال عنف، لكنها في الوقت نفسه، ترى أنه لا يوجد أساس قانوني لإدانته.
ومع ذلك، أثار هذا الموقف جدلاً واسعاً داخل الهيئة، مما أدى إلى استقالة كل من المدير العام تيم ديفي، والرئيسة التنفيذية للأخبار ديبورا تورنيس. ويواجه هذا الحادث الـ BBC بأحد أكبر الأزمات في تاريخها الذي يمتد لأكثر من 100 عام. وعليه، فقد قررت الهيئة عدم إعادة بث الفيلم الوثائقي الذي تسبب في هذا الخلاف على أية من منصاتها.
التحديات القانونية والسياسية للدعوى
رفع ترمب للدعوى في الولايات المتحدة بدلًا من المملكة المتحدة يُرجح أنه يهدف إلى تجاوز القيود الزمنية المفروضة على دعاوى التشهير في القانون البريطاني، والتي تتطلب رفع الدعوى في غضون عام واحد من النشر. سيكون عليه الآن إثبات المخالفات القانونية التي مذكورة سابقاً.
علاوة على ذلك، قد يكون من الصعب على ترمب الحصول على تعويض كبير، حيث أن الـ BBC ممولة من خلال رسوم ترخيص إلزامية على جميع مشاهدي التلفزيون في بريطانيا. وهذا يعني أن أي تعويض يتم الحكم به قد يأتي من أموال عامة، مما قد يثير توترات سياسية كبيرة.
تأتي هذه الدعوى أيضًا في سياق انتقادات واسعة النطاق للهيئة البريطانية، وخاصةً فيما يتعلق بالتحيز السياسي في تغطيتها الإخبارية. وقد أثار نشر المقطع المثير للجدل تحقيقًا أوسع نطاقًا في هذا الشأن، مما يزيد من الضغط على الهيئة.
من الجدير بالذكر أن الهجوم على مبنى الكونجرس في يناير 2021 كان يهدف إلى عرقلة عملية التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة، وهو حدث أثار ردود فعل غاضبة واسعة النطاق داخل الولايات المتحدة وخارجها. تدّعي هيئة الإذاعة البريطانية أن الفيلم الوثائقي يهدف إلى تحليل هذا الحدث وتداعياته، لكن ترمب يرى أنه يقدم صورة مشوهة لأحداث ذلك اليوم.
من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة المزيد من التطورات في هذه القضية، بما في ذلك الرد القانوني الرسمي من هيئة الإذاعة البريطانية. ستركز المعركة القانونية على مدى صحة مزاعم ترمب بالتشهير، وكذلك على نطاق الحماية التي يوفرها القانون الأمريكي لحرية الصحافة والتعبير. في الوقت الحالي، لا يمكن التنبؤ بالنتيجة النهائية للدعوى، ولكن من الواضح أنها ستكون لها تداعيات كبيرة على كل من دونالد ترمب وهيئة الإذاعة البريطانية.

