كشفت مصادر عن تفاصيل مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، حيث ناقش الطرفان إمكانية استقالة مادورو لتجنب تدخل أمريكي مباشر. ووفقًا للتقارير، حملت المكالمة رسالة واضحة من واشنطن، وهي أن مادورو يمكنه تأمين سلامته الشخصية وسلامة المقربين منه مقابل مغادرة فنزويلا فورًا، إلا أن ثلاثة قضايا رئيسية أدت إلى فشل المفاوضات.
أكد الرئيس ترمب الأحد أنه تحدث بالفعل مع مادورو، بعد أيام من تداول الأنباء حول هذا الاتصال. ومع ذلك، امتنع عن الخوض في تفاصيل المحادثات، واكتفى بالقول “لا أريد التعليق على ذلك. الإجابة هي نعم” عندما سُئل عن صحة التقارير.
خلفية التوتر بين واشنطن وكاراكاس
يأتي هذا التطور في ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في كاراكاس. وتتهم واشنطن حكومة مادورو بالتورط في تهريب المخدرات وغسيل الأموال، وتدعم المعارضة الفنزويلية التي تسعى للإطاحة به. يشمل الدعم الأمريكي لعناصر المعارضة تقديم مساعدات إنسانية وضغوط سياسية واقتصادية.
وتزايدت المخاوف من تدخل عسكري أمريكي في فنزويلا، خاصةً بعد تصريحات ترمب الأخيرة بشأن مكافحة كارتل دي لوس سوليس، والذي تدعي واشنطن أن مادورو يقف على رأسه. هذا التصعيد العسكري أثار قلقًا إقليميًا ودوليًا بشأن استقرار منطقة الكاريبي.
تفاصيل المحادثة والبنود الخلافية
وفقًا للمصادر المطلعة على تفاصيل المكالمة، فقد طلب الرئيس ترمب من مادورو وحلفائه مغادرة فنزويلا بشكل فوري، والسماح بعودة الديمقراطية إلى البلاد. في المقابل، اقترح مادورو تسليم السلطة السياسية إلى المعارضة، مع الاحتفاظ بسيطرة القوات المسلحة.
وقد رفضت الإدارة الأمريكية بشكل قاطع طلب مادورو بمنح عفو دولي عن أي جرائم قد يكون ارتكبها هو أو المقربون منه. كما رفضت بشدة فكرة السماح له بالاحتفاظ بالسيطرة على الجيش، معتبرةً ذلك محاولة لتقويض أي عملية انتقال ديمقراطي حقيقية.
شروط مادورو ورفض الولايات المتحدة
أصر مادورو على نموذج مشابه لما حدث في نيكاراجوا عام 1991، حيث احتفظت قيادات سابقة بنفوذ خلف الكواليس. ويرى مراقبون أن هذا الطلب كان يهدف إلى ضمان بقاء مادورو وعائلته في مواقع قوة حتى بعد التنحي. لكن واشنطن لم تقبل هذا المقترح، بحجة أنه سيؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار وتأجيج الصراع.
النقطة الخلافية الثالثة تتعلق بالتوقيت، حيث طالبت الولايات المتحدة باستقالة مادورو الفورية، بينما كانت كاراكاس ترفض تحديد جدول زمني واضح للتنحي. هذا الاختلاف في وجهات النظر حول التوقيت أدى إلى تعقيد المفاوضات وتأجيل إمكانية التوصل إلى حل.
إغلاق المجال الجوي الفنزويلي وتداعياته
بعد المكالمة الهاتفية، أعلن الرئيس ترمب أن المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها يجب اعتباره مغلقًا بالكامل. وقد تم تفسير هذا الإعلان في فنزويلا على أنه تحذير من هجوم عسكري وشيك، مما أثار حالة من الذعر وعدم اليقين. هذا الإجراء زاد من حدة التوتر القائم بين البلدين.
على الرغم من هذا التصعيد، لم تتلق واشنطن أي رد على محاولات حكومة مادورو لإجراء مكالمة ثانية. ويشير هذا إلى أن الإدارة الأمريكية قد أغلقت الباب أمام أي حوار إضافي مع كاراكاس، على الأقل في الوقت الحالي.
وتركز الولايات المتحدة حاليًا على مكافحة كارتل دي لوس سوليس، حيث أعلنت عن تدمير أكثر من 20 سفينة تهريب منذ الأول من سبتمبر، ووفاة أكثر من 80 شخصًا. وتزعم واشنطن أنها تمكنت من إيقاف حوالي 85% من تدفق المخدرات عبر البحر.
نظرة مستقبلية
يبدو أن فرص التوصل إلى حل سلمي للأزمة في فنزويلا قد تقلصت بشكل كبير بعد فشل المحادثات بين ترمب ومادورو. ومن المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على حكومة كاراكاس، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والتهديد بالتدخل العسكري.
ما يجب مراقبته في الفترة المقبلة هو رد فعل مادورو على التهديدات الأمريكية، وما إذا كان سيطلب مساعدة من دول أخرى مثل روسيا أو الصين. كما يجب الانتباه إلى تطورات الوضع الإنساني في فنزويلا، وتأثير الأزمة على المنطقة بأكملها. أتوقع مزيدًا من التصعيد في الأيام والأسابيع القادمة، مع بقاء السيناريو العسكري خيارًا مطروحًا على الطاولة.

