وقّع لبنان وقبرص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الأربعاء، في خطوة تاريخية تهدف إلى استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة وتعزيز التعاون الثنائي. يأتي هذا التوقيع بعد سنوات من المفاوضات ويعتبر نقطة تحول في جهود لبنان لتحديد مناطق نفوذه الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط. وتفتح الاتفاقية الباب أمام مشاريع مشتركة في قطاعات الطاقة والسياحة والاتصالات، مما يعزز الاستقرار الإقليمي والازدهار الاقتصادي.
أُقيم حفل التوقيع في القصر الجمهوري في بيروت بحضور الرئيسين اللبناني والقبرصي، جوزاف عون ونيكوس خريستودوليدس. وأكد الرئيس عون أن الاتفاقية تمثل بداية لتعاون دولي أوسع، وأنها لا تستهدف أي طرف خارجي، بل تهدف إلى تحقيق الازدهار والاستقرار للجميع. فيما وصف الرئيس القبرصي الاتفاقية بأنها “رسالة سياسية قوية” تعكس الثقة المتبادلة والرغبة في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بالنسبة للبنان
تُعد هذه الاتفاقية ذات أهمية بالغة للبنان لعدة أسباب. أولاً، تتيح لها تحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر، مما يمنحها الحق في استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الموجودة فيها، وخاصة النفط والغاز. ثانياً، تُساهم في حل النزاعات البحرية مع الدول المجاورة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ثالثاً، تجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، مما يخلق فرص عمل ويعزز النمو الاقتصادي.
تاريخ المفاوضات
تعود الجهود الأولى لـترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص إلى عام 2007، حيث تم التوصل إلى اتفاقية مبدئية لم تُعرض على البرلمان اللبناني للمصادقة عليها. ووفقًا لخبيرة النفط والغاز لوري هايتيان، فقد طرأت بعض الفروقات خلال تلك المفاوضات، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. ومع ذلك، واصل لبنان تطوير خبرته التقنية والقانونية في هذا الملف، وثبت حدوده البحرية من جانبه في عام 2011.
وبحسب هايتيان، فإن توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع إسرائيل وتثبيت الخط 23 دفعا إلى استكمال الترسيم مع قبرص، خاصة عند النقطة 7، لضمان تثبيت الحدود بشكل نهائي ورسمي. ويجري حاليًا التنسيق مع سوريا لاعتماد النقطة 7 كحدود مشتركة بين الدول الثلاث.
الجدل الداخلي وردود الفعل
أثارت الاتفاقية جدلاً داخليًا في لبنان، حيث اتهم بعض الأطراف المسؤولين بالتفريط في الحقوق البحرية. ومع ذلك، أكدت هايتيان أن الفروقات في المساحة البحرية بسيطة جدًا، وأن لبنان قد حصّن حقوقه في السنوات الأخيرة. وأشارت إلى أن الاتفاقية الحالية تعتمد على معايير قانونية دولية، وتراعي مصالح جميع الأطراف.
تعتبر هذه الخطوة جزءًا من جهود أوسع لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. وتتطلع قبرص إلى الفرص التي يمكن أن يتيحها اتفاق ترسيم الحدود للمستثمرين المحتملين في مشاريع الطاقة بالمنطقة، حيث يمكن أن تؤدي إلى اكتشافات جديدة وزيادة الإنتاج.
آفاق التعاون المستقبلي
بالإضافة إلى قطاع الطاقة، تفتح الاتفاقية الباب أمام تعاون ثنائي في مجالات أخرى مثل السياحة والاتصالات. ويسعى الجانبان إلى تطوير اتفاقيات ثنائية تسهل عمل الشركات بين البلدين، وإطلاق مشاريع مشتركة تعود بالنفع على اقتصاديّهما. كما يخطط لبنان للاستفادة من رئاسة قبرص المقبلة للاتحاد الأوروبي لتفعيل آليات التعاون مع أوروبا، بما في ذلك إطلاق مشروع الشراكة الاستراتيجية بين لبنان والاتحاد الأوروبي.
تواجه هذه الجهود تحديات، بما في ذلك الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان والتوترات الإقليمية المستمرة. ومع ذلك، يرى المراقبون أن الاتفاقية تمثل خطوة إيجابية نحو الاستقرار والازدهار في المنطقة. من المتوقع أن تبدأ عملية التنفيذ الفعلي للاتفاقية في الأشهر القادمة، وأن يتم إعداد الخطط اللازمة لتطوير مشاريع مشتركة في قطاع الطاقة وغيرها من المجالات. وسيستغرق تفعيل الاتفاقية بشكل كامل، بما في ذلك الحصول على الموافقات القانونية والبدء في الاستكشافات الفعلية، ما لا يقل عن عام.
كما سيراقب المراقبون التقدم في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، والذي يعتبر خطوة مهمة لإكمال الإطار القانوني لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوسيع نطاق التعاون الإقليمي في مجال الاستكشاف البحري .

