اندلعت أزمة تجارية حادة بين باكستان وأفغانستان على خلفية تصاعد التوترات الأمنية عبر الحدود، مما أدى إلى تعطل كبير في حركة التجارة بين البلدين وتهديد سبل عيش الملايين. وتأتي هذه الأزمة في ظل اتهامات متبادلة بين إسلام آباد وحكومة “طالبان” بدعم الجماعات المسلحة، حيث تسعى باكستان للضغط على كابول لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الجماعات التي تنشط بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية، وفقًا لتقارير صحفية.

أفاد أصحاب الأعمال في كل من باكستان وأفغانستان بتراجع حجم التبادل التجاري إلى النصف تقريبًا. وتشهد الأسواق على الجانبين حالة من الركود، حيث أصبحت الممرات خالية بشكل ملحوظ، بينما تتراكم شحنات المساعدات الإنسانية الضرورية لأفغانستان في الموانئ الباكستانية، مما يزيد من معاناة الشعب الأفغاني.

تداعيات الحرب التجارية على الاقتصاد الأفغاني والباكستاني

بلغ حجم التبادل التجاري بين أفغانستان وباكستان ملياري دولار في العام الماضي، وتعليق هذا التبادل يؤثر بشكل مباشر على المزارعين والتجار والمجتمعات المحلية الحدودية. فقد توقفت حركة الشاحنات المحملة بالبضائع الأساسية مثل الفحم والإسمنت والرمان والقطن والأدوية منذ حوالي شهرين، مما أدى إلى نقص في المعروض وارتفاع في الأسعار.

بالقرب من مدينة بيشاور الباكستانية، وعلى الطريق المؤدي إلى معبر تورخم الحدودي، تقف مئات الشاحنات والحاويات متوقفة منذ 11 أكتوبر، دون أي حركة. وقد قامت قوات حرس الحدود بإبعاد بعض الشاحنات إلى مناطق ترابية، ومنعت معظم عمليات العبور باستثناء مغادرة المواطنين الأفغان من باكستان.

على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، إلا أن الوضع لا يزال هشًا للغاية. ولم تسفر جهود الوساطة التي قادتها دول مثل تركيا وقطر والسعودية عن أي نتائج ملموسة، ويبدو أن الأزمة التجارية قد تستمر لفترة غير محددة، مع استعداد الحكومتين لمزيد من التصعيد.

الخسائر الاقتصادية المتزايدة

يرى خبراء اقتصاديون وممثلو التجارة أن هذه الحرب التجارية تضر بمصالح كلا البلدين. وأشارت عظيمة جيما، المديرة المؤسسة لشركة “فيرسو كونسلتينج” البحثية في إسلام آباد، إلى أن العلاقة بين باكستان وحكومة “طالبان” لا تبدو واعدة بالتحسن في المستقبل القريب، وأن الجيش الباكستاني لن يتراجع عن موقفه، مما يجعل إيجاد حل للأزمة أمرًا صعبًا.

وقال حميد الله أياز، وهو صاحب سلسلة مخابز أفغانية في بيشاور، إن الأفغان يخشون الخروج إلى الشوارع بسبب حالة عدم اليقين والتوتر السائدة. وأعرب عبد الوكيل، سائق شاحنة أفغاني، عن قلقه من حلول فصل الشتاء وتأخر عودته إلى بلاده.

كانت أفغانستان تعتمد على باكستان في أكثر من 40% من صادراتها حتى الخريف الماضي. كما لعب الإسمنت الباكستاني دورًا هامًا في دعم قطاع البناء في كابول والمدن الأفغانية الأخرى، بينما ساهمت الأدوية القادمة من باكستان في توفير العلاج للمرضى الأفغان.

في المقابل، يعاني المزارعون الأفغان من خسارة سوقهم التجارية الرئيسية. ففي ولاية قندهار جنوب شرقي أفغانستان، اضطر المزارعون إلى بيع محاصيلهم، بما في ذلك الرمان الأفغاني الشهير، بأسعار منخفضة في الأسواق المحلية.

الخلافات الأمنية والاتهامات المتبادلة

تتهم باكستان حركة “طالبان” بدعم الجماعات المسلحة التي تنفذ هجمات على الأراضي الباكستانية، والتي أدت إلى مقتل المئات من قوات الأمن الباكستانية في السنوات الأخيرة. في حين تنفي حركة “طالبان” هذه الاتهامات، وتؤكد أن العنف الذي تشهده باكستان هو “مشكلة داخلية” يجب عليها حلها بنفسها.

ردت باكستان على هذه الاتهامات بطرد أكثر من مليون أفغاني من أراضيها، وشن غارات جوية على العاصمة الأفغانية كابول وعلى قندهار، حيث يقيم قادة حركة “طالبان”. وقد أسفرت الاشتباكات الحدودية التي وقعت في الخريف الماضي عن مقتل العشرات من الجنود على الجانبين.

يقول شاهد حسين، وهو ممثل باكستاني للتجار يتمتع بخبرة تزيد عن 20 عامًا في التعامل مع أفغانستان، إنه لم يشهد من قبل مثل هذا التقلب الحاد في الوضع التجاري بين البلدين.

البحث عن بدائل تجارية

تسعى حركة “طالبان” إلى إيجاد مسارات تجارية بديلة لتعويض الخسائر الناجمة عن تعليق التجارة مع باكستان. فقد أعلنت الهند الشهر الماضي أنها ستطلق قريبًا خدمات الشحن الجوي مع أفغانستان، كما وقعت غرفتا التجارة في أفغانستان وإيران اتفاقية لتعزيز التبادل التجاري الثنائي. وقد أمرت السلطات الأفغانية التجار بالتوقف عن التعامل التجاري مع باكستان خلال الأشهر الثلاثة القادمة.

ومع ذلك، لا يزال السوق الباكستاني يمثل شريانًا حيويًا للاقتصاد الأفغاني، حيث يوفر الوصول إلى 250 مليون مستهلك وطريقًا بريًا إلى الهند. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد الأفغاني تحديات أخرى، مثل انخفاض المساعدات الدولية، والزلزالين المدمرين اللذين ضربا البلاد، والعودة القسرية لأكثر من 2.5 مليون أفغاني من دول الجوار.

تشير التقارير إلى أن الصادرات الأفغانية ارتفعت بنسبة 13% بين شهري سبتمبر وأكتوبر، بعد أن تمكن التجار الأفغان من إعادة توجيه شحناتهم عبر إيران وآسيا الوسطى. ومع ذلك، لا تزال هذه البدائل غير كافية لتعويض الخسائر الناجمة عن تعليق التجارة مع باكستان.

من المتوقع أن تستمر الأزمة التجارية بين باكستان وأفغانستان حتى يتم التوصل إلى حل سياسي وأمني يرضي الطرفين. ويتعين على المجتمع الدولي لعب دور فعال في تسهيل الحوار بين إسلام آباد وكابول، وتقديم الدعم الإنساني والاقتصادي لأفغانستان لمساعدتها على تجاوز هذه الأزمة. يجب مراقبة تطورات الوضع الأمني على الحدود، وجهود الوساطة الإقليمية، وتأثير الأزمة على الاقتصاد الأفغاني والباكستاني في الأشهر القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version