تواجه جهود السلام في أوكرانيا تحديات متزايدة، حيث حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن روسيا لا تزال عازمة على “إعادة رسم الخرائط بشكل دائم” واستعادة “مجالات نفوذها” المفقودة. يأتي هذا التحذير في وقت تشير فيه محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة إلى احتمال تخفيف الضغط الاقتصادي عن موسكو، على الرغم من استمرارها في هجومها على أوكرانيا. وتؤكد فون دير لاين على ضرورة الحفاظ على الضغط على روسيا لضمان التوصل إلى سلام عادل ودائم، وتجنب تكرار الأخطاء التي قد تؤدي إلى المزيد من الصراعات.
تصريحات فون دير لاين جاءت خلال خطاب أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، حيث شددت على أن روسيا تؤمن بقدرتها على تجاوز صمود أوكرانيا وأوروبا وحلفائهم. وأشارت إلى أن تصعيد العنف الروسي عادة ما يرافقه أي تقدم ملموس في مفاوضات السلام، مؤكدة أن هذا نمط متكرر. وقد أعربت فون دير لاين عن قلقها بشأن النوايا الحقيقية لروسيا، واصفة أوكرانيا بأنها مجرد “خطوة أولى” في لعبة أكبر.
السلام أم الاستسلام؟ الضغط على روسيا مستمر
تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تشير فيه الكرملين إلى رفضه لخطة السلام التي ظهرت من محادثات بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين في جنيف. وقد شهدت هذه المفاوضات تعديلات كبيرة على مسودة أولية مكونة من 28 نقطة، والتي تضمنت أحكامًا واسعة النطاق تفضل مصالح موسكو.
أثارت هذه المقترحات غضب المسؤولين الأوروبيين، الذين لم يتم استشارتهم قبل تسريب المسودة، خاصة تلك التي تتعلق بمجالات اختصاصهم، مثل مستقبل العقوبات الاقتصادية ومصير الأصول الروسية المجمدة. يذكر أن قيمة هذه الأصول تصل إلى حوالي 210 مليار يورو في جميع أنحاء الكتلة الأوروبية.
عقد قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعات مكثفة في الأيام القليلة الماضية، بما في ذلك اجتماع غير رسمي يوم الاثنين واجتماع افتراضي لـ”تحالف الراغبين” يوم الثلاثاء، بهدف تعزيز صوت أوروبا ومساعدة كييف على إعادة توازن النص. وقد أكدت فون دير لاين على مبدأ أساسي: “لا شيء بشأن أوكرانيا بدون أوكرانيا، ولا شيء بشأن أوروبا بدون أوروبا، ولا شيء بشأن الناتو بدون الناتو”.
عقبات في طريق التوصل إلى اتفاق
وتركز الخلافات الحالية على عدة نقاط رئيسية، بما في ذلك الحد من حجم القوات المسلحة الأوكرانية، وهو موضوع مثير للجدل في المحادثات. وتدعو فون دير لاين إلى تقديم ضمانات أمنية قوية لمنع تكرار الغزو الشامل. كما تدرس الحلفاء الغربيون نشر قوة متعددة الجنسيات في الأراضي الأوكرانية لتعزيز الردع بعد انتهاء الحرب، وهو اقتراح رفضته موسكو بشكل قاطع.
تشدد فون دير لاين على أن عقلية روسيا لم تتغير منذ أيام يالطا، وأنها لا تزال تنظر إلى القارة الأوروبية من خلال منظور “مجالات النفوذ”. وشددت على أنه لا يمكن السماح بتقسيم دولة أوروبية ذات سيادة من جانب واحد، وأنه لا يمكن تغيير الحدود بالقوة، محذرة من أن إضفاء الشرعية على تقويض الحدود قد يفتح الباب أمام المزيد من الحروب في المستقبل.
وفيما يتعلق بالتمويل، فقد قدمت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي وثيقة تتضمن ثلاثة خيارات لسد الفجوة التمويلية المتوقعة لاحتياجات أوكرانيا المالية والعسكرية المقدرة بـ 135 مليار يورو في عامي 2026 و 2027. وتشمل هذه الخيارات مساهمات ثنائية من الدول الأعضاء، والاقتراض المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، وما يسمى بقرض التعويضات بناءً على الأصول الروسية المجمدة.
مع ذلك، تواجه خطة “قرض التعويضات” مقاومة، خاصة من بلجيكا التي تحتفظ بمعظم الأصول الروسية المجمدة وتخشى رد فعل روسي عدواني. أكدت فون دير لاين أن المفوضية الأوروبية مستعدة لتقديم نص قانوني لدعم القرض، وهو أحد المطالب الرئيسية لبلجيكا. وأضافت أنها “لا ترى أي سيناريو يدفع فيه دافعو الضرائب الأوروبيون الفاتورة بمفردهم”، معربة عن تفضيلها لخيار “قرض التعويضات”.
من ناحية أخرى، يشير تقرير صادر عن المفوضية إلى أن الخطة الأصلية المكونة من 28 نقطة كانت تقترح نموذجًا يسمح لواشنطن وموسكو بتحقيق أرباح من الأصول المجمدة، وهو النموذج الذي يُعتقد أنه تم إزالته بعد محادثات جنيف، وما زالت المفاوضات جارية بشأنه.
من المتوقع أن يتخذ قادة الاتحاد الأوروبي قرارًا بشأن هذه المسألة في اجتماعهم المقرر في 18 ديسمبر. يبقى أن نرى ما إذا كانت جهود السلام ستشجع بلجيكا على رفع تحفظاتها أو التمسك بموقفها بشكل أكبر، في ظل حالة عدم اليقين التي تكتنف هذه القضية. حتى الآن، فرض الاتحاد الأوروبي 19 حزمة عقوبات على روسيا، بينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكبر شركتين نفطيتين روسيتين، وهما “روسنفت” و “لوك أويل” الشهر الماضي.

