يتزايد الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتحرك بشكل استباقي لضمان اختيار أمين عام جديد للأمم المتحدة يتماشى مع القيم الأمريكية والغربية، بدلًا من الاستسلام لما يراه البعض اتجاهًا متزايدًا معاديًا للولايات المتحدة داخل المؤسسة الأممية. ومن المقرر أن تنتهي فترة ولاية الأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، في 31 ديسمبر 2026، وقد واجهت فترة ولايته تحديات كبيرة مثل الحروب والأزمات، مما أثار اتهامات بالتحيز، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل. ويجمع الخبراء على أن إدارة ترامب بحاجة إلى مراقبة دقيقة لمن هو الأنسب لخدمة مصالح الولايات المتحدة.
الانتخابات القادمة لأمين عام الأمم المتحدة: تحديات وفرص للولايات المتحدة
صرحت آن بايفسكي، مديرة معهد تورو لحقوق الإنسان والمحرقة، ورئيسة منظمة “أصوات حقوق الإنسان” لـ “فوكس نيوز ديجيتال” أنه “طالما أن الولايات المتحدة تواصل ارتكاب خطأ تمويل الأمم المتحدة بشكل كبير، واحتفاظ مقر الأمم المتحدة (الذي يصفه البعض بأنه عمود خامس) على مرمى حجر من عاصمتنا المالية، فإنها يجب أن تهتم بشدة بمن يقود المنظمة”.
أشار جوناثان فاختل، المدير السابق للاتصالات والمستشار السياسي الأول لمبعوثي الولايات المتحدة الدائمين لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي وكيلي كرافت، إلى أن “الأمم المتحدة كانت منذ نشأتها خطًا المواجهة في الحرب الباردة، واليوم أصبحت بشكل متزايد خطًا المواجهة في العداء تجاه الولايات المتحدة”. وأضاف أن “روسيا والصين يمكنهما عرقلة أي مرشح يعكس قيمنا، حتى وهما تعملان على تقويض السياسة الخارجية الأمريكية وتآكل المبادئ الغربية، مع استعداد مجلس الأمن لبدء التصويت الأولي في منتصف عام 2026”.
المرشحون المطروحون وتقييماتهم
مع مرور أكثر من عام على بدء عملية الاختيار، بدأت الدول الأعضاء في ترشيح المرشحين الذين يتناسبون مع مصالحها الوطنية. وفقًا لبريت شيفر، الباحث الرئيسي في معهد أمريكان إنتربرايز، فإن قلة من المرشحين الذين تم ترشيحهم حتى الآن يمكن اعتبارهم مقبولين للولايات المتحدة. وأوضح شيفر أن “المرشحين المعلنين والمشاع عنهم هم في الغالب من داخل الأمم المتحدة أو من يسار الطيف السياسي”.
من بين المرشحين المعلنين، يبدو رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحالي، رافائيل غروسي من الأرجنتين، هو الأكثر توافقًا مع المصالح الأمريكية. وقد تعامل غروسي، وهو دبلوماسي أرجنتيني، مع طموحات إيران في تطوير الأسلحة النووية، وعمل أيضًا على منع كارثة نووية في الحرب الروسية الأوكرانية. ووصفه شيفر بأنه “ربما يكون الأكثر قبولًا بين المرشحين الذين تم ذكرهم حتى الآن”، نظرًا “للشجاعة الكبيرة” التي أظهرها في منصبه في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في المقابل، يرى البعض أن المرشحين الآخرين قد يثيرون مخاوف. على سبيل المثال، أعرب ديفيد شوكيهوانكا، نائب الرئيس البوليفي السابق، عن استيائه من التفكير الغربي بعد انتخابه وزيرًا للخارجية في بوليفيا. أما ميشيل باتشيليه، الرئيسة التشيلية السابقة والتي شغلت منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بين عامي 2018 و 2022، فقد تعرضت لانتقادات من منظمة “UN Watch” بسبب إدانتها المتكررة لإسرائيل والولايات المتحدة، بينما “تجاهلت الانتهاكات الواسعة النطاق من قبل الصين وتركيا وكوريا الشمالية وكوبا وإريتريا ودول أخرى”.
كما أن ريبيكا غرينسبان، نائبة الرئيس السابقة لكوستاريكا ورئيسة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، أوصت بتنظيم الوسائل “لمعالجة التفاوتات المتزايدة” في التمويل الدولي، وهو ما قد لا يتماشى مع الأولويات الأمريكية. بينما تعتبر كولومب كاهين-سالفادور، الناشطة السياسية اليسارية، وبرونو دونات، المواطن المشترك بين موريشيوس والولايات المتحدة، من المرشحين الخارجيين.
الاعتبارات الجيوسياسية والمناطقية
أشار هيو دوغان، المساعد الخاص السابق للرئيس ومدير أول لشؤون المنظمات الدولية في مجلس الأمن القومي، إلى أن عملية الاختيار ستشمل “حملات وسلسلة من التصويتات الأولية والإقصاءات”، قبل أن يقدم أعضاء مجلس الأمن للجمعية العامة للأمم المتحدة مرشحًا مفضلًا للموافقة الرسمية في أواخر العام المقبل. ويشير العرف إلى أن الأمين العام القادم يجب أن يكون من أمريكا اللاتينية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك رغبة متزايدة في تعيين امرأة أمينًا عامًا بعد 15 عامًا من الدعوات المتكررة لذلك. ومع ذلك، يرى دوغان أن أي شخص يتولى هذا المنصب يجب أن يكون “مديرًا” قادرًا على التعامل مع “منظمة تعاني، وغير ذات صلة إلى حد ما، وغير قابلة للإدارة”.
تشمل الأسماء المحتملة الأخرى التي ذكرها دوغان جاسيندا أرديرن، رئيسة الوزراء النيوزيلندية السابقة، والتي تعتبر “رمزًا عالميًا لليسار”، وأليسيا بارسينا، الدبلوماسية المكسيكية السابقة، وماريا فرناندة إسبينوزا، وزيرة الدفاع والخارجية الإكوادورية السابقة، وأمينا محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة من نيجيريا، وكريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي من بلغاريا، وأخيم شتاينر، المدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من ألمانيا.
ختامًا، يواجه المجتمع الدولي عملية اختيار معقدة لأمين عام جديد للأمم المتحدة. من المتوقع أن يستمر النقاش حول المرشحين المؤهلين، مع الأخذ في الاعتبار التوازنات الجيوسياسية والمناطقية، بالإضافة إلى الحاجة إلى قيادة قوية وفعالة. سيراقب المراقبون عن كثب تطورات هذه العملية، خاصة فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة، ومجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأشهر المقبلة. من المقرر أن تبدأ التصويتات الأولية في مجلس الأمن في منتصف عام 2026، مما يمثل خطوة حاسمة نحو تحديد الأمين العام القادم.

