تواجه خطط الاتحاد الأوروبي لحظر واردات الطاقة الروسية عقبة جديدة، حيث يعارض البرلمان الأوروبي منح دول أوروبية لا تطل على البحر أي استثناءات لاستيراد النفط والغاز من روسيا في حال حدوث أي اضطرابات مفاجئة في الإمدادات. تأتي هذه المعارضة في الوقت الذي يناقش فيه الاتحاد طرقًا لإنهاء اعتماده على الطاقة الروسية بحلول عام 2027، وهو هدف قدمته المفوضية الأوروبية في يونيو الماضي. هذا الخلاف يهدد بتأخير تنفيذ الحظر ويُظهر التحديات الكبيرة التي تواجهها الكتلة في سعيها إلى تحقيق استقلالها في مجال الطاقة.

يشهد الاتحاد الأوروبي حاليًا مباحثات ثلاثية بين الحكومات والبرلمان والمفوضية الأوروبية. وقد تم التوصل إلى توافق غير رسمي يسمح لبعض الدول الأكثر اعتمادًا على واردات الطاقة، مثل المجر وسلوفاكيا، بالاستمرار في استيراد الطاقة الروسية في حالة حدوث أزمة إمداد. إلا أن البرلمان الأوروبي يرفض بشدة أي ثغرات أو استثناءات، مُصرًّا على ضرورة إزالة الصادرات الأحفورية الروسية بشكل كامل من مزيج الطاقة الأوروبي.

الخلاف حول حظر الطاقة الروسية وتأثيره على دول وسط أوروبا

تشير بيانات المفوضية الأوروبية، وفقًا لتقرير “حالة اتحاد الطاقة” الصادر في 6 نوفمبر، إلى أن واردات الغاز الروسية – سواء عبر خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال – تمثل حاليًا 12٪ من إجمالي واردات الغاز في الكتلة، وذلك اعتبارًا من أغسطس 2025. ولكن هذا الرقم يمثل انخفاضًا كبيرًا مقارنة بنسبة 45٪ في عام 2021. ومع ذلك، يرى النواب الأوروبيون أن هذا لا يزال يعادل مبلغ 210 مليار يورو يتم تحويله إلى خزائن موسكو.

صرحت إينيسي فايدري، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الأوروبي من لاتفيا، في خطاب لها أمام البرلمان الشهر الماضي، أنه من “لا يصدق” أن الكتلة لا تزال تشتري الطاقة الروسية بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا. وأكدت أن موقف البرلمان “أكثر صرامة بكثير” من مقترحات المفوضية، حيث يهدف إلى حظر استيراد الغاز والنفط الروسيين، بما في ذلك عبر دول وسيطة، اعتبارًا من 1 يناير 2027، مع رفض أي تعليق مؤقت لهذا الحظر.

في المقابل، ترى بعض الدول الأعضاء أن وضع المجر وسلوفاكيا، وهما دولتان حبيستي السواحل، يتطلب بعض المرونة. يجادلون بأن بدائل موثوقة لتوريد الطاقة الروسية لا تزال قيد التطوير، وأن فرض حظر كامل وفوري قد يؤدي إلى أزمات طاقة في هذه الدول.

مشاريع خطوط الأنابيب الجديدة كحل بديل

تتحدث بعض الأوساط عن مشاريع لخطوط أنابيب جديدة في بلغاريا ورومانيا قادرة على توفير بديل موثوق وتوسيع نطاق سوق الطاقة في المنطقة. تشير التقديرات إلى أن بعض هذه المشاريع قد تصبح جاهزة للعمل بحلول عامي 2026 و 2027، مما يمنح مشغلي الطاقة الوقت الكافي للتكيف مع مصادر جديدة.

من ناحية أخرى، يعتقد بعض المشرعين أن هذه المشاريع ليست كافية وستستغرق وقتًا طويلاً للاكتمال، مما يجعلها غير قادرة على معالجة أي اضطرابات فورية في إمدادات الطاقة. ويرى هؤلاء أن الاعتماد المستمر على الطاقة الروسية يشكل خطرًا على الأمن القومي للاتحاد الأوروبي ويعيق جهوده لفرض عقوبات فعالة على روسيا.

وفقًا لمصدر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، فإن البرلمان “يرى ثغرات في كل مكان ويريد إغلاقها”. لكنه أضاف أن هذا الموقف يعكس “نقصًا في المعرفة الفنية الدقيقة” حول الموضوع. ومع ذلك، أكد دبلوماسي آخر من الاتحاد الأوروبي أن جميع الأطراف المعنية حريصة على التوصل إلى اتفاق سياسي قبل نهاية العام. من المقرر أن تستأنف المفاوضات السياسية في نهاية هذا الأسبوع.

خط أنابيب الغاز الجديد في رومانيا كجزء من الحل؟

أشاد وزير الطاقة الروماني، بوغدان إيفان، بإكمال خط أنابيب “توزلا-بوديسيور” في يوليو، واصفًا إياه بأنه لحظة حاسمة بالنسبة للبلاد. وأعلن أن رومانيا “تدخل مرحلة جديدة: من إمكانية استغلال موارد البحر الأسود إلى الاستفادة الفعلية منها”.

يمثل خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 308 كيلومترات جزءًا من مشروع “نبتون ديب”، وهو عملية واسعة النطاق لاستخراج الغاز الطبيعي من البحر الأسود قبالة ساحل رومانيا. ويمكن لهذا المشروع أن يوفر بديلاً للغاز الروسي للدول المجاورة، مثل المجر وسلوفاكيا.

أفادت شركة “ترانزغاز” الرومانية، وهي المشغل الوطني لنظام نقل الغاز، أن مشروع “نبتون ديب” سيتيح لبوخارست زيادة تدريجية في قدرتها على نقل الغاز إلى المجر من 2.63 مليار متر مكعب سنويًا حاليًا إلى 2.98، 4.38 و 5.32 مليار متر مكعب بحلول عام 2029.

إلا أن الحكومة المجرية ترى أن التشريع قيد المناقشة يمس بسيادة الطاقة. وقال وزير الخارجية والتجارة المجري، بيتر سيجارتو، “إنهم يسمون هذا التنويع، لكنه في الواقع يقطع أحد خطوط إمدادنا النفطية الحيوية.” وأضاف أن “المفوضية تتجاهل تمامًا أن هذا التنظيم يدمر الأمن الطاقي لدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. يجب ألا تكون الطاقة متعلقة بالسياسة.”

ومع ذلك، تشير وثائق المفوضية الأوروبية إلى أن مفوض الطاقة، دان يورغنسن، قد عقد اجتماعات حديثة مع ممثلين عن شركة “مول” (MOL) النفطية والغازية المجرية متعددة الجنسيات لتقييم جدوى التخلص التدريجي من الطاقة الروسية. ناقش المفوض الدنماركي خيارات التنويع، بما في ذلك استخدام خط أنابيب “يانات” (Janaf) الكرواتي كبديل لخط الأنابيب الروسي “دروжба” (Druzhba) الذي يخدم دول وسط أوروبا منذ فترة طويلة.

ومع ذلك، جادل ممثلو شركة “مول” بأن خط أنابيب “يانات” لم يتوسع بعد بما يكفي لتلبية التحدي، وأعربوا عن أسفهم لعدم الاستثمار الكافي من قبل كرواتيا. وصرح أمبروس هالاسز، المتحدث باسم “مول”، لـ Euronews أن “تطوير الجزء المجري وحده غير كافٍ، ولا تزال لدينا معلومات غير موثوقة بشأن حالة وقدرة الجزء الكرواتي. كل ما نعرفه حتى الآن هو أن شركة “يانات” لم تتمكن من التسليم بالكمية المطلوبة في الوقت المحدد، وهو ما يمثل خرقًا للعقد”.

واختتم المحلل الرئيسي للطاقة في وكالة الاستخبارات التجارية “كبر” (Kpler)، هوميون فالاكشاهي، بأن تأثير حظر كامل للوقود الأحفوري الروسي من قبل الاتحاد الأوروبي “سيسقط بشكل غير متناسب” على دول وسط أوروبا التي لا تزال تعتمد على خط أنابيب “دروжба” لتوريد النفط الخام. وأضاف أن “يانات” يمكن أن يساعد المجر وسلوفاكيا على إنهاء اعتمادهما على “دروжба”، مثلما توقفت جمهورية التشيك عن استيراد النفط الروسي وبدلاً من ذلك تعتمد على خط أنابيب “ترانسألباين”. لكنه شدد على أن ذلك سيأتي بتكلفة أعلى لشركة “مول” بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، وسيتطلب أيضًا بعض التعديلات الفنية على مصافي التكرير.

المفاوضات مستمرة، ومن المتوقع أن تستأنف الجولة القادمة قريبًا. يبقى التوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية العام أمرًا غير مؤكد، حيث يختلف موقف البرلمان الأوروبي بشدة عن موقف بعض الدول الأعضاء. يجب مراقبة التطورات المتعلقة بمشاريع خطوط الأنابيب الجديدة واستعداد الدول لتنويع مصادرها للطاقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version