تواصل الصومال، الواقع في القرن الأفريقي، في تقديم تحديات أمنية كبيرة، حيث لا تزال الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم الدولة والقاعدة نشطة في قتل وابتزاز السكان. تشير أحدث التقارير إلى مقتل المئات في عام 2024، سواء على يد الجماعات الجهادية أو في صراعات بين العشائر والقبائل الصومالية. وتواجه البلاد وضعاً معقداً يتطلب جهوداً متواصلة لتحقيق الاستقرار والأمن، خاصةً في ظل استمرار تهديد تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.
يواجه الصوماليون نقاط تفتيش مسلحة في مناطق مختلفة، حيث تفرض الجماعات الإرهابية أو القوات الحكومية مبالغ مالية، فيما تتفشى الفوضى والفساد بشكل يومي. وقد انتقد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الوضع في الصومال، واصفاً إياه بأنه “أناس يتجولون ويقتلون بعضهم البعض”.
تصعيد الضربات الجوية الأمريكية في الصومال لمواجهة الإرهاب
شهدت العمليات العسكرية الأمريكية في الصومال تصعيداً ملحوظاً في ظل إدارة ترامب، حيث زاد عدد الضربات الجوية ضد الإرهابيين بأكثر من عشرة أضعاف مقارنة بالعمليات التي نفذتها قيادة أفريقيا الأمريكية (AFRICOM) في عام 2024. في 25 نوفمبر، نفذت القوات الأمريكية والصومالية هجوماً على عناصر تنظيم الدولة في منطقة بونت لاند، باستخدام طائرات مسيرة وعشر طائرات هليكوبتر من طراز MH-60. كما استهدفت القوات الأمريكية في 28 نوفمبر عناصر تابعة لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في جنوب البلاد بالقرب من مدينة كيسمايو.
تشير بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الصومالية إلى أن أكثر من 99٪ من السكان مسلمون سُنّة. ومع ذلك، تستغل الجماعات الإرهابية، مثل حركة الشباب، هذه الخلفية الدينية لتعزيز أجندتها المتطرفة.
نفوذ حركة الشباب وتوسع سيطرتها
وفقاً لـ بيل روجيو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ومحرر مجلة “Long War Journal”، لا تزال حركة الشباب تحتفظ بسيطرة كبيرة على أجزاء واسعة من جنوب ووسط الصومال. وقد ذكر قائد AFRICOM في عام 2019 أن الحركة تسيطر على حوالي 25٪ من البلاد، إلا أن الأوضاع الأمنية تدهورت منذ ذلك الحين، مما يشير إلى توسع نفوذها. وفي المناطق التي تسيطر عليها، تفرض الحركة الضرائب وتطبق تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، وتقوم بتجنيد وتدريب الشباب للانخراط في أعمال العنف.
في المقابل، يرى بعض السكان المحليين أن الوضع في الصومال ليس قاتماً كما يصور. ساماتر تالييه، وهو مقيم في مقديشو، صرح بأن الأوضاع تختلف باختلاف المنطقة، وأن مقديشو تعتبر آمنة نسبياً وتشهد ازدهاراً اقتصادياً مع بدء مشاريع جديدة بوتيرة متسارعة. يضيف أن الحياة في العاصمة تشهد تحسناً ملحوظاً.
التمويل الإرهابي في الصومال: تحديات مستمرة
تعتمد حركة الشباب على مصادر متنوعة لتمويل أنشطتها، بما في ذلك نقاط التفتيش، والإتاوات القسرية، وابتزاز الشركات، وفرض الضرائب على الواردات، واختطاف الرهائن، وبيع المنتجات الزراعية والمواشي. تشير تقارير وكالة اللاجئين التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أن إجمالي دخل الحركة في عام 2023 تجاوز 150 مليون دولار أمريكي. ويعد هذا التمويل تحدياً كبيراً لجهود مكافحة الإرهاب في البلاد.
ويشير الخبراء إلى أن تمويل حركة الشباب غالباً ما يكون غير مباشر، حيث يضطر السكان المحليون إلى دفع مبالغ للحركة مقابل الحصول على خدمات أساسية أو لحماية ممتلكاتهم. تريشيا بيكون، محللة مكافحة الإرهاب السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، أوضحت أنه في كثير من الأحيان، لا يتعين على الناس “أن يقصدوا” تمويل حركة الشباب، بل يصبح ذلك “تكلفة للقيام بالأعمال” في الصومال بسبب عدم فعالية الحكومة في توفير الحماية.
الفساد الحكومي وتأثيره على الأمن
بالإضافة إلى التمويل الإرهابي، يعاني الصومال من انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية، مما يعيق جهود التنمية والاستقرار. وتشير التقارير إلى أن الحصول على الخدمات العامة غالباً ما يتطلب دفع رشاوى، وأن السلطة تتركز في أيدي الحكام ورؤساء البلديات والمسؤولين المحليين، وأحياناً في أيدي من يمتلكون السلاح. يقر تالييه بأن الفساد الحكومي أمر واضح ومؤلم، لكن الناس اعتادوا على حالة الفوضى المستمرة.
يذكر أن الأوضاع في الصومال تدهورت بشكل كبير بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 1991. إريك شون، مراسل فوكس نيوز، كان في مقديشو في العام التالي، حيث وصف الوضع بأنه “حكم من قبل أمراء الحرب”، و”مجاعة جماعية”، و”غياب كامل للحكومة”. ويضيف شون أن المدينة كانت تشهد إطلاق نار وقذائف صاروخية كل ليلة، وأن الظروف المعيشية كانت “بربرية”.
بالنسبة لكثير من الصوماليين، لا يزال تحقيق الحرية حلماً بعيد المنال. تتمثل الحرية في القدرة على التنقل بأمان، والعمل دون خوف، ورعاية الأسرة، والحصول على التعليم دون قلق. يتطلب ذلك معالجة قضايا نقاط التفتيش والتوترات العشائرية، وتعزيز الحكم الرشيد والأمن، وتحسين فرص العمل. ينظر الصوماليون إلى انتخابات حرة ونزيهة كخطوة حاسمة نحو التغيير، حيث يطالبون بمساءلة السياسيين أمام الشعب.
في المستقبل القريب، من المتوقع استمرار تركيز الجهود على تعزيز الأمن وتحقيق الاستقرار في الصومال، مع الأخذ في الاعتبار التحديات المعقدة التي تواجه البلاد. ستكون المراقبة الدقيقة للتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية أمراً ضرورياً لتقييم التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تتطلب المزيد من الاهتمام والتدخل. وستظل مسألة التمويل الإرهابي والفساد الحكومي من بين القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها بشكل فعال لتحقيق مستقبل أفضل للشعب الصومالي.

