لا تزال المساواة في الأجور بين الجنسين حلماً بعيد المنال للعديد من النساء العاملات في الاتحاد الأوروبي، حيث يكسب الرجال في المتوسط 12٪ أكثر من النساء في الساعة. ووفقاً لتقديرات رسمية، فإن هذا يعني أن النساء قد توقفن عن العمل بحلول نهاية الأسبوع الحالي لتعويض هذا الفارق في الأجور. ويُعرف هذا اليوم في بروكسل بـ”يوم المساواة في الأجور” (يوم الأجر المتساوي) ويسلط الضوء على استمرار التحديات التي تواجهها النساء في الحصول على الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
يوافق هذا العام ذكرى “يوم المساواة في الأجور” في توقيت تتزايد فيه الجهود الرامية إلى سد هذه الفجوة. يأتي هذا في وقت تُظهر فيه البيانات أن التقدم نحو تحقيق المساواة في الأجور لا يزال بطيئاً عبر دول الاتحاد الأوروبي، وأن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الإجراءات الملموسة لضمان حقوق المرأة الاقتصادية.
فجوة الأجور بين الجنسين في الاتحاد الأوروبي: نظرة عامة على التحديات والمبادرات
تُظهر الإحصائيات الصادرة عن المفوضية الأوروبية أن فجوة الأجور بين الجنسين قد انخفضت بنسبة 4٪ خلال العقد الماضي، إلا أن هذا التحسن يعتبر محدوداً للغاية. يرجع جزء كبير من هذه الفجوة، حوالي 24٪، إلى تركيز النساء في قطاعات ذات أجور منخفضة نسبياً، مثل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية.
العوامل المؤثرة في عدم المساواة في الأجور
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن النساء يقضين ساعات عمل أطول بشكل عام من الرجال، ولكن نسبة كبيرة من هذا الوقت تُخصص لأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر. تؤكد بيليين سانز، مديرة هيئة الأمم المتحدة للمرأة لأوروبا وآسيا الوسطى، أن هذا التوزيع غير المتكافئ لأعمال الرعاية يعيق وصول النساء إلى سوق العمل ويحد من فرص تقدمهن الوظيفي.
عدم تمثيل المرأة بشكل كافٍ في المناصب القيادية العليا يمثل أيضاً عاملاً مهماً في تفاقم هذه المشكلة. ففي العديد من الشركات الأوروبية، لا تتجاوز نسبة الرئيسات التنفيذيات 10٪.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالقطاعات أو المناصب؛ فالتحيز اللاواعي في عمليات التوظيف والترقية يمكن أن يلعب دوراً أيضاً في إدامة فجوة الأجور. تُظهر الدراسات أن النساء قد يواجهن صعوبات في التفاوض على الأجور أو قد يتم تقييمهن بشكل مختلف عن الرجال لأداء مماثل.
جهود الاتحاد الأوروبي لسد الفجوة وتعزيز المساواة
منذ عام 2020، قامت المفوضية الأوروبية باتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز المساواة بين الجنسين، خاصة من خلال مبادرات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتوازن بين العمل والحياة وخدمات الرعاية وشفافية الأجور. تهدف هذه المبادرات إلى تمكين النساء من المشاركة الكاملة في سوق العمل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وفي عام 2023، قدم الاتحاد الأوروبي توجيه بشأن شفافية الأجور بهدف تقليل الفجوة بين الجنسين في الأجور. بموجب هذه القواعد الجديدة، التي يجب أن يتم تطبيقها بحلول يونيو 2026 على أبعد تقدير، ستكون الشركات ملزمة بالكشف عن معلومات حول الرواتب وتنفيذ إجراءات تصحيحية إذا تجاوزت فجوة الأجور بين الجنسين لديها 5٪. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تحول كبير نحو مساءلة الشركات وضمان حصول النساء على أجور عادلة.
بخلاف توجيه شفافية الأجور، يتم التركيز على تعزيز تكافؤ الفرص في التوظيف والترقية، وتوفير خدمات رعاية الأطفال بأسعار معقولة، وتشجيع المزيد من الرجال على المشاركة في أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر. تشمل الجهود أيضاً حملات توعية للتحدي من القوالب النمطية المتعلقة بالجنسين وتعزيز ثقافة عمل شاملة.
التطورات والسياسات الحديثة
بالتزامن مع ذلك، تستعد المفوضية الأوروبية لإطلاق استراتيجية جديدة للمساواة بين الجنسين بعد عام 2025، والتي ستحدد المبادرات والتشريعات الجديدة التي سيتم تنفيذها خلال السنوات القادمة. من المتوقع أن تركز هذه الاستراتيجية على قضايا مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتمثيل السياسي للمرأة، والوصول إلى الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية.
من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من هذه الجهود، لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها. تشمل هذه التحديات ضمان التنفيذ الفعال لتوجيه شفافية الأجور، وتوفير الدعم الكافي للنساء العاملات في القطاعات ذات الأجور المنخفضة، وتغيير الأعراف الاجتماعية والثقافية التي تعزز عدم المساواة بين الجنسين. كما تُعد مراقبة تأثير هذه المبادرات وتقييمها بانتظام أمراً ضرورياً لضمان تحقيق أهداف المساواة المنشودة.
في الختام، يظل سد فجوة الأجور بين الجنسين في الاتحاد الأوروبي هدفاً طموحاً يتطلب جهوداً متواصلة وتضافراً بين جميع الأطراف المعنية. ستركز الاستراتيجية الجديدة للمساواة بين الجنسين، المتوقع إطلاقها بعد عام 2025، على تحديد أولويات جديدة ومبادرات لتعزيز المساواة وتحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي. سيتطلب تحقيق هذه الأهداف مراقبة دقيقة لتنفيذ السياسات الجديدة، وتقييم تأثيرها، والتكيف مع التحديات الناشئة.

