تصاعدت الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مع تركيز متزايد على ضرورة تحميل روسيا مسؤولية أفعالها كطرف معتدٍ، وليس مطالبة أوكرانيا بتقديم تنازلات كبيرة. وتأتي هذه التطورات في ظل مبادرة أمريكية تقودها واشنطن، تواجه صعوبات في التوصل إلى اتفاق مقبول من الطرفين، مع إصرار أوروبي على أن أي تسوية يجب أن تضمن أمن أوكرانيا المستقبلي.
كشفت تسريبات عن مسودة أولية لاتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، تضمنت بنودًا تعتبرها كييف ومجموعة من الدول الغربية منحازة بشكل كبير لموسكو. وشملت هذه البنود مطالب بتخلي أوكرانيا عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتنازل عن أراضٍ لا تزال تحت سيطرتها، وتقييد حجم جيشها إلى 600 ألف جندي.
التركيز على قيود على روسيا لتحقيق السلام في أوكرانيا
إلا أن العديد من المسؤولين الأوروبيين، وعلى رأسهم الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، يصرون على أن النهج الصحيح يكمن في فرض قيود على القدرات العسكرية الروسية. وأكدت كالاس أن تخصيص ما يقرب من 40% من الميزانية الروسية للإنفاق العسكري يشير إلى رغبة مستمرة في استخدام القوة، مما يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي.
وأضافت كالاس أن التركيز يجب أن ينصب على التنازلات والقيود التي يمكن أن تقدمها روسيا، لضمان عدم تكرار العدوان في المستقبل. وتشير التقارير إلى أن الدول الأوروبية تعمل بشكل وثيق مع كييف لتعديل المسودة الأمريكية، والسعي للحصول على شروط أكثر ملاءمة لأوكرانيا.
مفاوضات جنيف والاتفاق المعدل
بعد محادثات رفيعة المستوى في جنيف الأحد الماضي، توصلت أوكرانيا والولايات المتحدة إلى نص معدل، لم يتم الكشف عن تفاصيله الكاملة بعد، ولكنه واجه بالفعل مقاومة روسية. وتتركز القضايا الأكثر حساسية حول حجم القوات الأوكرانية المستقبلية، والضمانات الأمنية التي ستقدمها الدول الغربية.
وتصر الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي على أن أي اتفاق سلام يجب أن يسمح لأوكرانيا بتنظيم قواتها المسلحة بحرية، والتي يقدر عددها حاليًا بين 800 ألف و850 ألف جندي. وتؤكد كالاس على أن تحديد حجم الجيش هو حق سيادي لكل دولة، وأن أي محاولة لتقييده تمثل فخًا نصبه الجانب الروسي.
في المقابل، ترى كالاس أن روسيا تسعى إلى إجراء محادثات دبلوماسية لأنها غير قادرة على تحقيق أهدافها في ساحة المعركة. وتشير إلى عدم وجود أي مؤشرات على استعداد روسيا لوقف إطلاق النار، بل على العكس، هي تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية.
وتدعو العديد من وزراء الخارجية الأوروبيين إلى تشديد الضغط على موسكو، من خلال العقوبات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، حتى تثبت التزامًا حقيقيًا وموثوقًا به بعملية السلام. وتؤكد لاتفيا، من خلال وزيرة خارجيتها بايبا برازي، على أهمية استراتيجية “السلام من خلال القوة” لوقف المعتدي.
وتشدد النمسا، على لسان ممثلتها بيات ماينل-رايزينغر، على ضرورة أن تتحدث أوروبا بصوت واحد، وأن تقدم خطتها الخاصة لضمان مصالحها. وتأتي هذه التصريحات في إطار جهود دبلوماسية مكثفة تبذلها أوروبا لإعادة تأكيد دورها في الأحداث المتسارعة.
وعقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة غير رسمية يوم الاثنين، واجتمع “تحالف المترددين” عبر الإنترنت يوم الثلاثاء. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وجود جيش أوكراني قوي، دون أي قيود، وأكد مجددًا على فكرة نشر قوة متعددة الجنسيات على الأراضي الأوكرانية بعد انتهاء الحرب.
وأشار ماكرون إلى أن أوكرانيا تلقت العديد من الوعود التي تحطمت بسبب العدوان الروسي المتكرر، وأن الضمانات الأمنية الحقيقية والموثوقة ضرورية. وأكدت كالاس أن الاتحاد الأوروبي سيقدم “مساهمات كبيرة” في الضمانات الأمنية، من خلال توفير التمويل والتدريب والدعم لصناعة الدفاع، لكنها أضافت أن هذه الضمانات لا تغير حقيقة أن التهديد الحقيقي يكمن في روسيا.
واختتمت كالاس حديثها بالإشارة إلى أن هذا الأمر يتعلق بالأمن الأوروبي الأوسع، وأن السماح للعدوان بالنجاح سيشجع على استخدامه مرة أخرى في أماكن أخرى. وحذرت من أن الدول الصغيرة هي الأكثر عرضة للخطر، مشيرة إلى مقولة بول هنري سباك بأن هناك نوعين من الدول: الدول الصغيرة، وأولئك الذين لم يدركوا بعد أنهم صغار.
من المتوقع أن تستمر المفاوضات بين أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا في الأيام المقبلة، مع التركيز على القضايا العالقة، بما في ذلك الضمانات الأمنية وحجم القوات الأوكرانية. وستكون القمة المرتقبة بين الرئيسين فولوديمير زيلينسكي ودونالد ترامب حاسمة في تحديد مسار المفاوضات، مع بقاء مستقبل التسوية السلمية غير مؤكد.

