أكد محمود كامل، الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن القوة ظاهرة إنسانية أصيلة لا غنى عنها لتنظيم المجتمعات وحفظ الأمن وحماية الحقوق، لكنها في الوقت نفسه سلاح ذو حدين، قد تكون أداة عدل وحماية، أو تتحول إلى وسيلة ظلم وعدوان.
وأوضح الباحث بمرصد الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن الفلسفات القديمة والشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، أولت اهتمامًا كبيرًا ببحث أخلاقيات القوة من حيث التنظير والتقويم والضبط، خاصة في ظل ما يشهده العالم اليوم من اعتداءات متكررة وحروب، ولا سيما في غزة، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى تأصيل هذا المبدأ وإعادة بناء نظام عالمي يضع القوة في خدمة الحق، لا العكس.
وأضاف الباحث بمرصد الأزهر أن الفكر الفلسفي منذ العصور القديمة انشغل بمفهوم القوة وارتباطه بالعدل والسياسة والسلطة والحرية، مشيرًا إلى أن أفلاطون رأى أن القوة المشروعة هي التي يمارسها الحاكم الفيلسوف العارف بالخير المطلق في سبيل الصالح العام، بينما أكد أرسطو أن القوة لا تكون فاضلة إلا إذا مورست وفق مبدأ الوسط الذهبي الذي يجنب الإفراط والتفريط ويحقق الفضيلة المدنية.
وفي المقابل، أوضح أن الفلسفة الحديثة شهدت تحولات عميقة، حيث اعتبر ميكافيلي أن بقاء الدولة قد يتطلب استخدام القوة بوسائل براغماتية، حتى وإن تعارضت مع القيم الأخلاقية، وهو ما يتجلى في مشاهد القوة المفرطة والانتهاكات الراهنة في غزة، التي تكشف انحراف مفهوم القوة عن معيار العدالة وتحوله إلى أداة قهر وهيمنة.
باحث بمرصد الأزهر: الإسلام قدم إطارًا عمليًا لضبط استعمال القوة
وأشار كامل إلى أن الشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، قدمت إطارًا عمليًا لضبط استعمال القوة، إذ جاء الوحي ليؤكد أن القوة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق مقاصد عليا كحفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض.
وأكد على أن القرآن الكريم مدرسة متكاملة في ترشيد القوة، حيث ربط بين القوة والعدل في قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”، كما أصّل مبدأ الإعداد للقوة في قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ”.
وبيّن أن الغاية من ذلك هي الردع المشروع وصيانة المجتمع ورد العدوان، لا الاعتداء أو الهيمنة، وهو ما يتوافق مع المفهوم الحديث للردع بوصفه ضمانة للسلام لا للحرب.

