تحت صفحة مياه البحر الأحمر، حيث تتشابك الشعاب المرجانية مع تيارات دافئة تحمل الحياة، يظهر مخلوق بحري يحمل قدرًا استثنائيًا من الهيبة والدهشة: المانتا راي، أو ما يعرف شعبيًا بـ”شيطان البحر”.

وبرغم الاسم الذي يبعث على التخوّف، فإن هذه الكائنات تُعد من أكثر مخلوقات المحيط سلمًا ورقيًا في الحركة، حتى إن كثيرًا من الغواصين يصفون لقاءها بأنه أقرب ما يكون لمشاهدة طائر عظيم يحلق في سماء شفافة.

البحر الأحمر.. مسرح مفتوح لعملاق لطيف

ويعد البحر الأحمر واحدًا من أهم البيئات الطبيعية التي تستضيف المانتا راي، إذ تمنح الشعاب المرجانية الغنية وتيارات الغذاء الطبيعية ظروفًا مثالية لها. وهذا ما جعل المنطقة وجهة عالمية لعشاق الغوص الذين يسافرون خصيصًا بحثًا عن لحظة عابرة ترافق هذه الكائنات وهي تسبح في دوائر هادئة فوق رؤوسهم.

ورغم ندرة ظهورها في بعض المواسم، إلا أن وجودها المتكرر يؤكد على صحة النظام البيئي البحري هناك، ما يجعل المحافظة على هذه الثروة ضرورة بيئية واقتصادية في آن واحد، للحفاظ على توازن البحر وتعزيز مكانة المنطقة كمقصد سياحي بيئي متفرد.

تشريح القوة والنعومة

الدكتور أشرف صديق، الباحث في معهد علوم البحار بالغردقة، يوضح أن المانتا راي تمتلك جسدًا عريضًا مفلطحًا يمتد بجناحين يمكن أن يصل امتدادهما إلى سبعة أمتار، بينما ينسدل خلفها ذيل طويل أشبه بشريط يمتد مع حركة الماء.

ويتراوح طولها عادة بين ثلاثة وسبعة أمتار، مع إمكانية أن تصل بعض الأنواع إلى تسعة أمتار، ووزن قد يتخطى ألف كيلوغرام في الحالات الكبيرة، وهو ما يجعلها من أضخم الكائنات البحرية على الإطلاق.

يصنف العلماء نوعين رئيسيين في البحر الأحمر:

Manta birostris: الأكبر حجمًا وصاحبة الفم الواسع، وتُعد الأكثر شيوعًا.

Mobula: أصغر حجمًا وأكثر رشاقة في الحركة، لكنها لا تقل جمالًا وروعة في السباحة.

ويعتمد النظام الغذائي للمانتا على العوالق والأسماك الصغيرة، لكنها قد تبتلع نفايات بلاستيكية عن طريق الخطأ، وهو ما يسلط الضوء على خطر التلوث البحري الذي يهددها.

رمز هشّ لعالمٍ كامل

وتتخذ المانتا راي من المياه المفتوحة موطنًا، وتؤدي حركات دائرية مذهلة بالقرب من السطح تبدو معها وكأنها ترتب جناحيها في عرض راقص. هذه المشاهد الآسرة قد تكون في المستقبل أقل شيوعًا إذا لم تتوفر حماية حقيقية لها من ممارسات الصيد الجائر والتلوث.

وجود هذا العملاق السلمي في البحر الأحمر ليس مجرد مشهد للسياح، بل مؤشر بيئي حساس على سلامة واحدة من أغنى النظم البحرية في العالم. وبقدر ما يجذب الأنظار، فهو يطالبنا بصون هذا التراث الأزرق.. قبل أن نودعه بلا رجعة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version